ارتفاع درجات الحرارة وارتفاع المد والجزر والرياح العالية.  مزيد من المطر، المزيد من العواصف، المزيد من الآفات، المزيد من مسببات الأمراض والمزيد من الحرائق.  أمطار أقل وثلج جليدي أقل وكتلة برية أقل. شهد عام 2019، والسنوات التي سبقته مباشرة، سلسلة من الكوارث المرتبطة بتغير المناخ في جميع أنحاء العالم، بدءًا من الفيضانات ومرورًا بحرائق الغابات، والأعاصير وانتهاءًا بالجفاف.

بقلم فادي جميل، نائب الرئيس ونائب رئيس مجلس إدارة عبد اللطيف جميل

مناخ أكثر احترارًا ورطوبةً وجفافًا

في مارس،  وصل إعصار إيداي إلى اليابسة في موزمبيق، ليتسبب في مقتل أكثر من 1000 شخص وفي إحداث فيضانات عارمة فضلا عن انقطاع التيار الكهربائي في جميع أنحاء جنوب إفريقيا.  وفي أغسطس، اجتاحت موجة من الحرائق العاتية عددًا من الغابات في العديد من جزر الكناري، في حين أدت الفيضانات المرتبطة بالرياح الموسمية إلى مقتل أكثر من 200 شخص في جميع أنحاء الهند ونيبال وبنغلاديش وباكستان.  فيما تعاني شيلي من أسوأ موجة جفاف منذ حوالي 60 عامًا.

وفي الآونة الأخيرة، تسببت موجات المد والجزر والعواصف التي لم تشهدها البندقية منذ نصف قرن،  في غرق معظم المدينة تحت 187 سم من المياه.  وفي كاليفورنيا وأستراليا، دمرت حرائق الغابات آلاف الهكتارات مخلفة وراءها مجتمعات بأكملها بلا مأوى.

حرائق الغابات في كاليفورنيا. مصدر الصورة: مارك رالستون / غيتي إيماجز

وتقدر منظمة أوكسفام الخيرية الإنسانية التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرا لها أن تفاقم “التقلبات الحادة في الطقس” يعني أن أكثر من 52 مليون شخص في 18 دولة في أفريقيا سيواجهون الجوع[1]. وفي أعقاب الحرائق الضخمة التي اجتاحت منطقة الأمازون في وقت سابق من هذا العام، أعلنت وكالة ناسا أن معظم  الحرائق  العنيفة كانت في “المناطق شحيحة المياه”[2] التي أدى فيها النشاط البشري إلى تقليل  كمية بخار الماء المنبعثة من النباتات، مما جعلها أكثر عرضة لاندلاع الحرائق[3].

ويأتي معدل الزيادة  في هذه الحوادث وسط اعتراف متزايد بأن التوقعات السابقة لسرعة تغير المناخ ربما تم الاستهانة بها بشكل مؤسف.  في الواقع، في عام 2013، خلص تقرير أعدته مجلة «جلوبال انفيرومينتال تشينج» إلى أن  بعض السمات الرئيسية للاحتباس الحراري الناجم عن زيادة الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي لم يتم التنبؤ بها بشكل جيد، ويبدو هذا جليًا في التقييمات التي أجرتها اللجنة الدولية للتغيرات المناخية.”[4]

إن هذا الإخفاق التاريخي في التوصل إلى تنبؤ دقيق للوتيرة المتسارعة لتغير المناخ يجلب معه مخاطر جدية للغاية نتيجة استخفافنا بتكاليفه الاقتصادية. على كل حال، من البديهي أن التقديرات القائمة على بيانات معيبة ستكون حتمًا غير دقيقة.

وما يضاعف من هذا الخطر هو أننا نميل كبشر إلى الاستناد في تقديرات التكلفة المستقبلية على تجاربنا السابقة، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك هو اعتمادنا في تقدير التأثير المالي لإعصار وشيك على تجاربنا السابقة مع الأعاصير. يسمي الإحصائيون هذه الطريقة بـنهج “الثبات”، أي استخدام الأحداث الماضية في تحديد التنبؤات المستقبلية. ومن هنا جاء تعامل الكثير من الاقتصاديين على درجة كبيرة من البطء في تقدير – أو على الأقل في دراسة- الصلة بين منهج الثبات والتنبؤات حول التكاليف الحقيقية لتغير المناخ. 

لطالما اُعتبرت الأضرار المناخية واحدةً من التحديات النوعية التي يتعين على المجتمع البشري “مجابهتها في طريقه إلى النمو الاقتصادي المستمر، لا لشيء سوى أن التجارب السابقة أثبتت مدى خطورة الأعاصير على الاقتصاد.  لكن عندما تتغير الظروف بسرعة وبصورة حادة بحيث لم تعد التجارب السابقة دليلًا موثوقًا به – كما هو الحال مع تغير المناخ – فسرعان ما تصبح تقديرات التكلفة على أساس الماضي غير مجدية تمامًا.

أضف إلى ذلك التأثير التعاقبي لتغير المناخ.  فلعل أحد أسباب صعوبة فهم آثار تغير المناخ هو أنها لن تحدث بمعزل عن غيرها، والصحيح أن كل عامل منها يؤدي إلى تفاقم الآخر، وهو ما يؤدي بالنتيجة إلى تغيير النتائج أو تفاقمها أو تخفيفها أو إبطاءها بطرق غير معروفة حتى الآن.

على سبيل المثال، يمكن أن يتسبب مناخ الاحترار في خفض إنتاج الغذاء في بلد ما، مما يؤدي إلى انتشار سوء التغذية على نطاق واسع في ذلك البلد وبالتالي يقلل من قدرة سكانها على تحمل الحرارة والمرض، ومن ثم  زيادة معدل الوفيات وصعوبة التكيف مع تغير المناخ. وفي أسوأ الحالات، يؤدي تغير المناخ إلى الركود الاقتصادي، ما يقود بالنتيجة إلى اضطراب اجتماعي وسياسي يقوض قدرة البلدان على منع المزيد من الأضرار المناخية.

ولأن تكلفة هذه الأحداث ليست بالأمر الهيّن، فقد أخذت مجمتع جميل على عاتقها واجب التصدي لهذه المشكلة من خلال معمل عبد اللطيف جميل للماء والغذاء (J-WAFS) في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، حيث تساعد في تمويل الأبحاث الرائدة التي يمكن أن تساعد في جعل أنظمة إنتاج الغذاء والمياه في جميع أنحاء العالم أكثر مرونة واستدامة في مواجهة تغير المناخ.

هذه الأنواع من التأثيرات المتتالية بدأت في الظهور مؤخرًا فقط في النماذج الاقتصادية لتغير المناخ – لكن على يبدو أن هناك تحولًا في المواقف على وشك الحدوث.

فهل بدأت السياسات المناخية في اللحاق بركب علوم المناخ؟

بعد مرور عام على اتفاق باريس في عام 2016، شهدت قمة العمل المناخي التي عقدها الأمين العام للأمم المتحدة في نيويورك إعلانًا عن التزام 77 دولة بانبعاثات خالية من الكربون بحلول عام 2050. وقام العديد منها، بما فيها المملكة المتحدة وفرنسا والسويد والنرويج، بسن تشريعات بهذا المعنى. لكن ولسوء الحظ، ما يزال تنفيذ مقتضى هذا الإعلان بالنسبة لدول كثيرة  ذات ثقل دولي في تحقيق الأهداف العالمية مجرد هدف “طموح”.

Map of Climate Change Impact

عندما تبدأ تأثيرات تغير المناخ في التصاعد، ستشعر الدول بالتكاليف النقدية على كل مستوى من مستويات النظام الاقتصادي: بدءً من الشركات الفردية، ومرورًا بالميزانيات العمومية الوطنية، وانتهاءً بالآثار السلبية على الهيكل المالي العالمي بأكمله.

الشركات تستعد لضربة قاضية

 في يونيو 2019، كشفت الأبحاث التي أجرتها مؤسسة «سي بي دي» الخيرية – المعروفة سابقًا باسم مشروع الكشف عن الكربون – عن أن 200 من كبرى شركات العالم  قد تواجه خسائر جراء تغير المناخ تصل إلى حوالي تريليون دولار أمريكي، مع توقعات بأن تتكبد هذه الشركات الجزء الأكبر من الخسارة في السنوات الخمس المقبلة[1].   

Carbon Disclosure Project Logo

ويقول تقرير تغير المناخ لعام 2018 الصادر عن مؤسسة «سي بي دي» أنه المتوقع أن تتكبد شركات مثل آبل، و مايكروسوفت، ويونيليفر، وتشينا موبايل، تكاليف إضافية تصل إلى ما مجموعه 970 مليار دولار أمريكي.

وشملت العوامل المحتملة التكاليف المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة وأنماط الطقس الفوضوية وتسعير انبعاثات الغازات الدفيئة،  هذا مع الأخذ في الاعتبار أن ما يقرب من نصف هذه التكاليف بات أمرًا «مؤكدًا على الأرجح».

ويشير تقرير أصدرته منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة(ILO)، ونُشر في يوليو 2019[1]، أنه مع ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، يمكننا أن نتوقع زيادة في الإجهاد الحراري المرتبط بالعمل وفقدان الإنتاجية بما يعادل 2.2٪ من إجمالي ساعات العمل العالمية (أو 80 مليون وظيفة) بحلول عام 2030.  ومن المتوقع أن تكون الزراعة والبناء من أكثر القطاعات تضررًا.  يعمل حوالي 940 مليون شخص في الزراعة في جميع أنحاء العالم، ويمكن أن يمثل هذا القطاع 60٪ من ساعات العمل العالمية المفقودة بسبب الإجهاد الحراري بحلول عام 2030.  وقد تنخفض ساعات العمل العالمية في قطاع البناء بنسبة 19٪ بحلول نفس التاريخ. 

وليست الإنتاجية هي المحور الوحيد للنموذج الاقتصادي الذي يرزح تحت وطأة هذا الضغط، فهناك قطاع المشتريات أيضًا، ذلك أن تأثير الكوارث الطبيعية الشديدة يعادل خسارة عالمية قدرها 520 مليار دولار أمريكي في الاستهلاك السنوي. [2]

وتشير دراسة أجريت عام 2012 بقيادة ميليسا ديل، أستاذة الاقتصاد بجامعة هارفارد وزميل قسم الأبحاث في المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، إلى أن كل زيادة قدرها 1 درجة مئوية في متوسط درجة الحرارة تترجم في المتوسط إلى انخفاض في دخل الفرد بنسبة 8٪.[3]

وليس بخافيًا أن الكوارث الطبيعية وحدها تدفع نحو 26 مليون شخص إلى السقوط في براثن الفقر كل عام – وبدون اتخاذ إجراءات عاجلة، يمكن لتغير المناخ أن يدفع 100 مليون شخص إضافي إلى الفقر بحلول عام 2030. وقد يؤدي مثل هذا الركود الاقتصادي إلى إحداث شلل كامل في القطاعات الأساسية، وللشركات والبلدان على حد سواء.

وربما تكون اقتصادات “الدول الصناعية” هي الأكثر عرضة لانكماش الناتج المحلي الإجمالي

 لا شك في أن الخسائر التجارية الناجمة عن تغير المناخ ستعزز من مستوى التباين الاقتصادي القائم بالفعل، ذلك أن أولئك الذين يعيشون في أشد المناطق فقراً في العالم، والذين لديهم موارد أقل للتكيف بسرعة مع التأثيرات، سيعانون حتماً أكبر خسارة.

وفي هذا الصدد، يرى البنك الدولي أن التأثيرات المناخية قد تدفع  ما يصل إلى 143 مليون شخص في ثلاث مناطق نامية إلى النزوح بحلول عام 2050[4]، حيث سيضطر الأفراد والأسر وحتى المجتمعات بأكملها إلى البحث عن أماكن للعيش أقل عرضة لتغير المناخ.

Simon Stiell

وقال سايمون ستيل، وزير مرونة المناخ في غرينادا، وهي واحدة من الدول الراعية للجنة التكيف المناخي العالمية (GCA). “أدرك جيدًا أن مسؤوليتنا أسباب تغير المناخ كدول نامية أقل من غيرنا من الدول، لكن المفارقة هي أننا سنكون أول الضحايا.”

يرأس لجنة التكيف المناخي العالمية الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون، ومؤسس شركة مايكروسوفت بيل غيتس، والمدير الإداري لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، وتضم في عضويتها دولًا مثل الصين والمكسيك والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى عدد من الدول الأخرى المعرضة لتغير المناخ مثل بنغلاديش وجزر مارشال.

تشكلت اللجنة في عام 2018 بهدف المساعدة في ضمان قدرة النظم الاجتماعية والاقتصادية على تحمل عواقب تغير المناخ.

لكن هذا لا يعني أن الأسواق المتقدمة يمكنها أن تستمر في الشعور بالرضا والأمان لمجرد أنها تعلم أن اقتصاداتها محمية من أسوأ آثار تغير المناخ.  فإذا حدث شيء، فقد يكون التأثير أكبر ولو بصورة نسبية، وسيكون لديهم الكثير ليخسروه أيضًا.

Global Commission on Adaptation

وفي هذا الصدد، تشير دراسة أجراها المكتب الوطني الأمريكي للبحوث الاقتصادية (NBER)  في أغسطس 2019 إلى أن التكاليف المحتملة للتغير المناخي أعلى بكثير مما كان يُعتقد سابقًا، لا سيما في العالم الصناعي. [1]

على سبيل المثال، ستتسبب الزيادة المستمرة في درجة الحرارة بنحو 0.04 درجة مئوية حال بقاء الأمور على حالها (بحيث تستمر انبعاث الكربون بمعدلها الحالي) في خفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7.2٪ بحلول عام 2100. 

ويقدر المكتب الوطني الأمريكي للبحوث الاقتصادية كذلك أن الولايات المتحدة قد تخسر ما يصل إلى 10.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2100، أي ما يعادل أكثر من 2 تريليون دولار أمريكي عند مستويات 2018.  ومن المتوقع كذلك أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي لكندا بأكثر من 13٪ (حوالي 221 مليار دولار أمريكي)، في حين أن كلا من اليابان والهند ونيوزيلندا قد تخسر حوالي 10٪ (حوالي 500 مليار دولار أمريكي، 270 مليار دولار أمريكي و 20 مليار دولار أمريكي على التوالي).

ويحذر تقرير “ستيرن ريفيو” الصادر عن حكومة المملكة المتحدة حول اقتصاديات تغير المناخ[2] من أن تكاليف الكوارث المناخية القاسية وحدها (العواصف والأعاصير المدارية والفيضانات والجفاف وموجات الحر) قد تصل إلى 0.5 – 1٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي سنويًا بحلول منتصف القرن – أو أعلى من ذلك إذا استمرت درجات الحرارة في الارتفاع.

وأشار التقرير كذلك إلى إمكانية ارتفاع خسائر الفيضانات السنوية في المملكة المتحدة من 0.1٪ من الناتج المحلي الإجمالي اليوم إلى 0.2 – 0.4٪ إذا ارتفعت درجات الحرارة العالمية بنسبة 3 أو 4 درجات مئوية،  وأن موجات الحر كتلك التي شهدتها أوروبا في عام 2003، وتسببت في خسائر زراعية تقدر بنحو 15 مليار دولار أمريكي، ستكون “شائعة” بحلول منتصف القرن.

العبء المالي لتغير المناخ يمتد عبر الحدود

صحيح أن هناك عدد قليل من الاقتصادات ستخرج سالمة من عبء التصدي لتغير المناخ،  ولكن  يبقى أن آثار هذا التغير المناخي ستلقي بظلالها على الجميع في صورة أزمة عالمية فريدة لا تعترف بحدود، ثقافية كانت أم اقتصادية.

يقول تقرير ستيرن أن أقل ما ينبغي القيام به هو إحداث “تحول” في تدفق التمويل الدولي للكربون لتحقيق تخفيضات كبيرة في الانبعاثات،  لكن هذه الاستراتيجية لها تكاليف باهظة هي الأخرى.  فمن المرجح أن تتراوح التكاليف الإضافية للاستثمارات منخفضة الكربون في البلدان النامية ما بين 20 إلى 30 مليار دولار أمريكي على الأقل.  ويعتمد تقاسم هذه التكاليف بشكل منصف على إمكانية إدخال تطويرات كبيرة على أنظمة التداول، مثل نظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي (EU ETS).

علاوة على ذلك، تشير البحوث إلى أن “تكلفة الفرصة البديلة” (أي الإمكانات المالية التي لم تُستغل بعد) لحفظ الغابات في البلدان الثمانية التي تمثل ما يقرب من ثلاثة أرباع الانبعاثات الناتجة عن استخدام الأراضي، قد تصل إلى 5 مليارات دولار أمريكي سنويًا.  وهذا يستوجب منا أن نواصل الحوار بشأن كيفية تعويض هذه التضحيات بشكل عادل.

وأيًا كان الاتجاه الذي ستتخذه الدول، فستظل تكاليف تغير المناخ تتصاعد رغم كل شيء.  ففي داخل بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) وحدها، قد تصل التكاليف الإضافية لدعم البنية التحتية الجديدة والمباني ضد تغير المناخ إلى 150 مليار دولار أمريكي سنويًا (0.5٪ من إجمالي الناتج المحلي)[1].

واعلنت مؤسسة دراكس جروب مؤخرًا عن خطتها لجعل محطة كهرباء دراكس في شمال يوركشاير، المملكة المتحدة، خالية من انبعاثات الكربون في غضون 10 سنوات – لتصبح بذلك أول شركة في العالم خالية من الكربون.[2] ولكن يبقى أن دراكس ستحتاج بعد تحويل وحداتها الضخمة لتوليد الفحم للعمل على الكتلة الحيوية المتجددة، إلى إعانات حكومية بقيمة مليوني جنيه إسترليني (2.63 مليون دولار أمريكي) في اليوم للعمل.  وستتطلب مبادرتها الجديدة، التي تهدف إلى التقاط ملايين الأطنان من الكربون المنبعث من المصنع وتخزينها تحت الأرض، مزيدًا من الدعم الحكومي لتصبح قابل للتطبيق.

لا شك في أن الأزمة العالمية تتطلب استجابة عالمية على كافة الأصعدة، منها ما يستلزم “تسويق” فكرة أن الاستثمار الذي يركز على المناخ يمكن أن يجني فوائد هائلة.

نوع جديد من تحليل التكلفة/ الفائدة

أشارت اللجنة الدولية للتكيف مع التغييرات المناخية (GCA) في بحث لها إلى الفوائد المحتملة للتصدي لتغير المناخ والتي يمكن أن تفوق بكثير التكاليف الأولية. Global Commission on Adaptation Logoوفقًا للبحث، ينبغي أن يستثمر العالم ما لا يقل عن 1.8 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2030 للتحضير لآثار الاحتباس الحراري، لكن الفوائد التي تأتي من هذا الاستثمار قد تصل قيمتها إلى أربعة أضعاف هذا المبلغ

تشير التقديرات إلى أن استثمار 1.8 تريليون دولار أمريكي في أنظمة الإنذار بالطقس والبنية التحتية وزراعة الأراضي الجافة وحماية أشجار المانغروف وإدارة المياه بحلول عام 2030 سيحقق فوائد بقيمة 7.1 تريليون دولار.

ولا بد أن نشير في هذا المقام إلى حاجز التايمز في المملكة المتحدة، الذي يحمي 1.3 مليون من سكان لندن من مياه الفيضانات، كمثال على الفوائد التي يمكن أن تتحقق من هذا النوع من التبصر.

Thames Barrier

على الرغم من أن تكاليف بناء الجدار قد وصلت إلى 534 مليون جنيه إسترليني (686 مليون دولار أمريكي)، لكن دون ذلك الجدار، كانت مخاطر الفيضان ستحول دون الاستثمارات التي سمحت لشركة كناري وارف بأن تصبح واحدة من أهم المراكز المالية على هذا الكوكب، فقد أصبحت المنطقة موطنًا لكثير من أكبر الشركات المالية في العالم وتساهم في توليد إيرادات ضريبية ضخمة لحكومة المملكة المتحدة.

وبالمثل، تقترح اللجنة الدولية للتكيف مع التغييرات المناخية أن استثمار 800 مليون دولار أمريكي في أنظمة التحذير من العواصف في البلدان النامية يمكن أن يسهم في تجنب الحاجة إلى إنفاق ما يصل إلى 16 مليار دولار أمريكي سنويًا للتخفيف من الأضرار التي تحدثها هذه العواصف. 

تبلغ تكلفة الكوارث الطبيعية حاليًا حوالي 18 مليار دولار أمريكي سنويًا في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل فقط نتيجة الأضرار التي لحقت بمنشآت الطاقة والنقل، وقد تسبب ذلك في حدوث أضرار أوسع نطاقًا للأسر والشركات بما يعادل 390 مليار دولار أمريكي سنويًا.

 وفي هذا الصدد، قال بان كي مون في مقدمة التقرير: “على الحكومات والشركات أن تعيد التفكير بشكل جذري في كيفية اتخاذ القرارات، “فنحن بحاجة إلى ثورة في الفهم والتخطيط والتمويل تجعل مخاطر المناخ ظاهرة للعيان.”

 تُظهر الأبحاث الأخرى أن البلدان يمكنها أن تدخر مجتمعة حوالي 250 مليار دولار أمريكي سنويًا من خلال إصلاح أنظمة الطاقة غير الفعالة والتخلي عن دعم الطاقة المكلف.  وهذه الأرقام وحدها تشكل دافعًا قويًا للمضي قدمًا في هذه الإصلاحات. [1]

وبصرف النظر عن الأموال التي يمكن توفيرها، هناك أيضًا أموال يمكن كسبها، حيث يتوقع تقرير ستيرن في المملكة المتحدة فرصًا تجارية جديدة ضخمة مع نمو الطلب على السلع والخدمات منخفضة الكربون وعالية الكفاءة: «من المرجح أن تصل قيمة أسواق منتجات الطاقة منخفضة الكربون إلى 500 مليار دولار أمريكي على الأقل بحلول عام 2050، وربما أكثر من ذلك بكثير إذا ما شرعت الشركات والبلدان على حد سواء في اتخاذ الاستعدادات اللازمة للاستفادة من هذه الفرص».

وتشمل المجالات التي يمكن أن يؤدي الاستثمار الفوري فيها إلى تحقيق عوائد سريعة تحسين كفاءة استخدام الطاقة وتقليل حرق الغاز، بالإضافة إلى “برامج تجريبية واسعة النطاق [من شأنها] أن تثمر عن خبرات مجدية في توجيه المفاوضات المستقبلية”.

الاستجابة المتأخرة تزيد من المخاطر وتقوض الفرص

بالنظر إلى المخاطر الكبيرة التي يواجها كوكبنا، يتعين على الحكومات على مستوى العالم العمل على الاستثمار ودون إبطاء في تدابير مكافحة تغير المناخ وحماية اقتصاداتنا وحماية مجتمعاتنا، وبالتالي تجنب المزيد من النفقات التي قد تتكبدها مستقبلًا في محاولة إعادة بناء هذه الاقتصادات والمجتمعات. 

وثمة بعض العناصر التي يمكن تقدير تكلفتها في هذه التكلفة – على سبيل المثال، إزالة الكربون عن أنظمة توليد وتوزيع الطاقة الكهربائية في العالم. وتقدر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA)  أن هناك حاجة إلى الاستثمار في توليد الكربون منخفض الانبعاثات بما يصل إلى 26 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2050.  بيد أن التخلص من الكربون على هذا النطاق يتطلب تغييرًا شاملاً في كل جزء من نموذجنا الاقتصادي الحالي. ويجب أن يلعب قطاع الطاقة والمرافق دورًا محوريًا في غالبية هذه التحولات، أو ربما جميعها.

ومع ذلك، قد لا يكون التغيير بالسهولة المتوقعة.  فكما هو الحال في أي مرحلة انتقالية، نجد أن ما يعتبره البعض ذو تكلفة باهظة  قد يشكل للراغبين في اقتحام عالم جديد فرصةً استثماريةً واعدةً ومصدرًا متدفقًا للإيرادات في المستقبل. إن الاقتصاد المستقبلي القائم على الكربون منخفض الانبعاثات – تمامًا مثل التحول في الثورة الصناعية أو إلى العالم الرقمي – يقدم فرصًا تنموية هائلة في مجالات تشمل وسائل النقل المكهربة والتدفئة والتبريد المستداميّن وصعود الاقتصاد القائم على الهيدروجين، وشبكات الكهرباء الذكية القادرة على الموائمة بين العرض والطلب.

آمل أن تكون الشراكة بين القطاعيّن العام والخاص جزءًا من الحل وأن تتكاتف المؤسسات الاستثمارية المتطلعة إلى تحقيق عوائد مؤكدة مع الحكومات للمساعدة في تأمين رأس المال اللازم، ليتسنى لنا بعد ذلك التعاون مع المؤسسات الرائدة لبناء أنظمة الطاقة النظيفة الخاصة بنا في الغد.

[1] https://webarchive.nationalarchives.gov.uk/+/http:/www.hm-treasury.gov.uk/media/4/3/executive_summary.pdf

[1] More than 52 million across Africa going hungry due to weather conditions, Oxfam, November 7, 2019

[2] https://www.nasa.gov/press-release/nasa-satellites-reveal-major-shifts-in-global-freshwater

[3] A recent systematic increase in vapor pressure deficit over tropical South America, Nature, October 25, 2019

[4] Climate change prediction: Erring on the side of least drama?, Global Environment Change, Vol 23, Issue 1, February 2013

[5] Major risk or rosy opportunity: Are companies ready for climate change?, CDP, 2018

[6] Working on a warmer planet: The impact of heat stress on productivity and decent work, International Labour Organization, 2019

[7] https://www.worldbank.org/en/topic/climatechange/overview

[8] https://scholar.harvard.edu/files/dell/files/aej_temperature.pdf

[10] https://www.nber.org/papers/w26167

[11] https://webarchive.nationalarchives.gov.uk/+/http:/www.hm-treasury.gov.uk/media/4/3/executive_summary.pdf

[12] https://webarchive.nationalarchives.gov.uk/+/http:/www.hm-treasury.gov.uk/media/4/3/executive_summary.pdf

[13]Drax owner plans to be world’s first carbon-negative business”, The Guardian, 10 December 2019.

[14] Adapt now: A global call for leadership on climate resilience, GCA, 2019

[15] Lifelines: The resilient infrastructure opportunity, World Bank, 2019

[16] https://webarchive.nationalarchives.gov.uk/+/http:/www.hm-treasury.gov.uk/media/4/3/executive_summary.pdf

تواصل معي على LinkedIn