في عالم ينتج ما يكفي من الغذاء لإطعام جميع سكانه، لا يستطيع أكثر من 1.5 مليار شخص تحمل تكلفة نظام غذائي يلبي المستويات المطلوبة من العناصر الغذائية الأساسية. كما يصعب على أكثر من 3 مليارات شخص تحمل تكلفة النظام الغذائي الصحي الأرخص على الإطلاق[1]. ويعتبر ذلك – من وجهة نظري – من المفارقات التي  يمكن – بل ويجب – معالجتها بشكل عاجل.

ظلت معدلات الجوع العالمي في ارتفاع منذ عام 2014. وتشير التقديرات الأخيرة إلى أن عدد الجوعى في العالم يصل إلى 690 مليون شخص، وهو ما يمثل 8.9٪ من عدد سكان العالم. وفي عام 2019 ، تعرض ما يقرب من 750 مليون شخص – أي نحو واحد من كل عشرة أشخاص – إلى مستويات جد مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي. في الوقت نفسه، كان حوالي ملياري شخص لا يحصلون بانتظام على طعام آمن ومغذٍ وكافٍ. ومن المنتظر أن يكون هناك أكثر من 840 شخصًا متضررين من الجوع بحلول عام 2030 حال استمرار المعدلات الحالية ترتفع بهذه الوتيرة[2].

كل تلك التقديرات والأرقام كانت قبل جائحة فيروس كورونا المستجد، والتي صاحبها ضغوط غير مسبوقة على نظام ما كان ليوصف إلا بالفشل. ووفقا للبنك الدولي[3]، “أدت تأثيرات جائحة فيروس كورونا المستجد إلى زيادات هائلة وواسعة النطاق فيما يتعلق بانعدام الأمن الغذائي العالمي، وهو ما أثر على الأسر المستضعفة في جميع البلدان تقريبًا”.

إذاً، كيف أثرت  الجائحة على المحركات والعوامل الرئيسة لانعدام الأمن الغذائي، وماذا يمكننا أن نفعل لمجابهة المجاعات ونقص التغذية؟

نقص الغذاء يتعاظم في جنوب العالم بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد والاحتياطات تشهد تراجعا وضغوطا.
مصدر الصورة: Reuters/Afolabi Sotunde

ما هي أسباب انعدام الأمن الغذائي؟

قد يكون انعدام الأمن الغذائي مزمنا أو حادا. وعادة ما يُعزى انعدام الأمن الغذائي المزمن إلى الفقر. ويعني ذلك وجود أشخاص لا يستطيعون اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن بانتظام، أو حتى نظام يلبي احتياجاتهم الأساسية من الطاقة. أما انعدام الأمن الغذائي الحاد فيحدث عندما تتعرض حياة الشخص أو معيشته إلى خطر مباشر بسبب نقص الغذاء. وتشمل الأسباب الرئيسة لانعدام الأمن الغذائي الحاد : الصراعات، والمناخ (بما في ذلك الظواهر الجوية الشديدة والمتطرفة)، والكوارث الطبيعية، واضطرابات سلاسل التوريد، والصحة، ونزوح السكان (بما في ذلك الهجرة).

ولسوء الحظ، فإن العديد من هذه العوامل تعزز بعضها البعض: فالصراعات تعطل سلاسل التوريد وتؤدي إلى المجاعات. ومن ناحية أخرى، تتولد الصراعات من المجاعات  التي تسبب أيضا اعتلال الصحة وتشريد السكان، وما إلى ذلك. وبالنظر إلى هؤلاء الذين لا يتوافر لديهم ما يكفي من الغذاء، فإنه من المؤسف بل – والمحبط – أن تعلم أن 30٪ من الغذاء الذي يتم انتاجه على هذا الكوكب لا يتم استهلاكه[4] – وهو أمر تعرضنا له بالمزيد من الاسهاب في أحدى مقالات سبوت لايت السابقة.

ما هو تأثير جائحة فيروس كورونا المستجد على قضية إنعدام الأمن الغذائي؟

UN World Food Programme وفقا لتقديرات برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة (WFP) ، هناك 272 مليون شخص في البلدان التي يتواجد بها البرنامج أما يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد أو مهددون بمواجهته بسبب التأثيرات المتفاقمة لجائحة فيروس كورونا المستجد[5].

وقد حدت هذه المخاوف في مارس 2021 بالأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، كي يعلن عن تشكيل فريق عمل لمنع حدوث المجاعات[6]. ومن المنتظر أن يركز فريق العمل، والذي سينطلق بقيادة وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ وبمشاركة ممثلين من برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة، على توجيه اهتمامات رفيعة المستوى ومنسقة نحو الوقاية من المجاعات وحشد الدعم للبلدان الأشد تضرراً.

António Guterres
الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش

قال أنطونيو غوتيريش عند إطلاق فريق العمل[7] “ما تبع جائحة فيروس كورونا المستجد من اضطرابات قد يدفع المزيد من الأسر والمجتمعات نحو هوة أعمق […].  إننا نمتلك الأدوات والمعرفة، ولا ينقصنا سوى الإرادة السياسية والالتزام المستمر من قبل القادة والدول”.

ومع تفشي الجائحة، أثار تعطيل الإمدادات الغذائية القلق والمخاوف، إذ كانت أزمة الغذاء التي شهدها العالم في عامي  2007-2008 لا تزال حية في الذاكرة، حيث قلصت العديد من الدول الرئيسة المنتجة للأرز والقمح من الصادرات في مواجهة الضبابية الاقتصادية العالمية الأوسع، وهو ما أدى إلى نقص الغذاء وارتفاع الأسعار والعصيان المدني في أكثر من 30 دولة.

ولحسن الحظ، حافظ معظم كبار المصدرين حتى الآن على تدفق التجارة عبر الحدود. على الرغم من ذلك، تعرضت عملية نقل الغذاء داخل حدود البلدان إلى العديد من الاضطرابات. ويرجع ذلك –  إلى حد كبير –  إلى التدابير التي تم اتخاذها من أجل  الحد من انتشار الوباء[8]. ومع أغلاق خطوط الشحن، تعفن المخزون في المستودعات الأفريقية. وفي الوقت نفسه، أدت عمليات الإغلاق في كل من الهند وماليزيا، والتي توقفت معها التحركات تماما داخل البلاد وخارجها، إلى إجبار المزارعين على التخلص من المنتجات أو إطعامها للماشية لأنهم لم يتمكنوا من نقلها إلى الأسواق في المدن. من ناحية أخرى، تسبب الخوف من توقف التوريدات في حالة من الهلع وزيادة هائلة في عمليات الشراء بدافع الذعر في العديد من البلدان. فعلى سبيل المثال، قام السنغافوريون بإفراغ أرفف المحال الخضروات الطازجة والبيض والدجاج، واستمر الحال على ذلك حتى تمكنت الإعلانات الحكومية وشاحنات الغذاء من طمأنتهم بأن التوريدات والإمدادات لن تنقطع.[9]

من ناحية أخرى، أدت عمليات الإغلاق والتباعد الاجتماعي إلى عدم توافر المواد والعمالة اللازمة لزراعة المواد الغذائية وتصنيعها. فعلى سبيل المثال، عانت أمريكا الشمالية من تراجع تدفق العمالة المهاجرة. وكان المزارعون الصينيون في حاجة ماسة إلى الأسمدة والبذور من أجل زراعة المحاصيل للموسم التالي إلى أن قامت الحكومة بالإعفاءات فيما يتعلق ب “القنوات الخضراء”. وقد حذرت مجموعات المزارعين في مختلف البلدان من أن الاضطرابات الأولية قد تؤدي إلى تراجع في تنوع بعض المحاصيل فضلا عن انخفاض كمياتها.

ويسعدني أن أشير إلى أنه – لحسن الحظ – كانت المحاصيل الأخيرة عالميا جيدة بشكل عام، وهو ما يعني أننا قد نكون قد جُنبنا أسوأ السيناريوهات المحتملة.

ووفقا لتقديرات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، تحقق رقم قياسي عالمي جديد فيما يتعلق بإنتاج الحبوب خلال عام 2020 – ويقدر ذلك بحوالي 2.7 مليار طن من الأرز والقمح والذرة والشعير.

(وهناك بعض الاستثناءات التي تحمل في طياتها دلالات مهمة: إذ يواجه شرق إفريقيا – على سبيل المثال – أسوء انتشار للجراد منذ عقود[10]).

علاوة على ذلك – وعلى عكس التوقعات التي انطلقت مع بداية الجائحة –  ارتفعت أسعار الغذاء العالمية، لكنها في معظم الحالات لم ترتفع ارتفاعا هائلا  كما كان متوقعا. واعتبارًا من 15 يونيو 2021 ، ظل مؤشر أسعار السلع الزراعية بالقرب من أعلى مستوى له منذ عام 2013. وقد يُعزى الارتفاع جزئيًا إلى الاضطرابات التي شهدتها سلاسل التوريد والناجمة عن جائحة فيروس كورونا المستجد. وتجدر الإشارة إلى أن الأرقام لا تزال أقل بكثير من تلك التي شهدناها مع  الركود الذي ضرب العالم بين عامي 2007 و 2009.

ولا تمثل زيادة أسعار المواد الغذائية في حد ذاتها مصدرا للقلق الذي سببته جائحة فيروس كورونا المستجد، إذ يتجلى حجم التهديد عندما تؤخذ خسارة الدخل في الاعتبار. ويعد الركود العالمي الناجم عن جائحة فيروس كورونا المستجد الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية. ووفقًا لصندوق النقد الدولي (IMF)، شهد الاقتصاد العالمي انكماشا بلغت نسبته 3.5٪ خلال عام 2021.[11]

ولا شك أن عمليات الإغلاق والتباعد الاجتماعي ساعدت  في مواجهة تفشي الوباء. لكن تلك الإجراءات حملت في طياتها خسارة ما يعادل 500 مليون وظيفة بدوام كامل[12]. وكان العاملون في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل والاقتصاد غير الرسمي هم الأكثر تضررا. ووفقا لتقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، من المنتظر أن تكبد جائحة فيروس كورونا المستجد البلدان النامية خسائر في الدخول تقدر بأكثر من 200 مليار دولار.[13] من ناحية أخرى، أدت الأزمة إلى تراجع بنسبة 7٪ في التحويلات – أو الأموال التي يقوم العمال الأجانب بتحويلها  إلى أسرهم الذين يعيشون على أرض الوطن- والتي يبلغ أجمالي قيمتها حوالي نصف مليار دولار أمريكي كل عام[14].

ويعتبر ارتفاع أسعار المواد الغذائية – إذا ما أقترن بانخفاض الدخل أو عدم وجود مصدر رزق – وصفة سحرية لانعدام الأمن الغذائي.

وفي تقرير “حالة الأمن الغذائي” ، تحذر اليونيسيف من أن[15] “تعطل التوريدات والإمدادات الغذائية وتراجع الدخل بسبب فقدان مصدر كسب الرزق أوالتحويلات المالية نتيجة لـجائحة فيروس كورونا المستحد يعني  أن الأسر حول العالم تواجه صعوبات متزايدة فيما يتعلق بالحصول على الأطعمة المغذية، وأن الحصول على وجبات صحية بات أكثر صعوبة بالنسبة للفقراء والمستضعفين.”

الأكثر ضعفا هم الأكثر تضررا…

من الحقائق المؤلمة والمثيرة للقلق أن جائحة فيروس كورونا المستجد قد جعلت الحياة أكثر صعوبة بالنسبة لأولئك الذين كانوا في كرب بالفعل. فالمرء في الاقتصادات الناشئة ينفق أكثر بكثير على الغذاء كنسبة من دخل الأسرة. فعلى سبيل المثال، تنفق أسر الطبقة المتوسطة في الولايات المتحدة حوالي 10٪ فقط من دخلها على الغذاء. أما في العديد من البلدان منخفضة الدخل، تقترب النسبة من 50٪. كما أنه في العديد من المناطق المتضررة من الصراعات، قد يتجاوز سعر الوجبة الواحدة دخل الفرد اليومي كله[16].

ولا يقتصر الأمر على سكان العالم النامي وحسب. فقد جعلت جائحة فيروس كورونا المستجد الحياة أكثر صعوبة للمستضعفين في الدول الغنية أيضًا.

 

ووفقًا لجامعة نورث وسترن، عانى 23٪ من الأسر الأمريكية من انعدام الأمن الغذائي، وتمثل تلك النسبة ضعف المعدل الذي تم تسجيله قبل الجائحة[17].

ويرتبط انعدام الأمن الغذائي في الأساس بشكل كبير بسكان الريف. ولكن جائحة فيروس كورونا المستجد أثرت على الوظائف في جميع المجالات ودفعت بسكان الحضر إلى هاوية الفقر – لا سيما في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل التي تعتمد على السياحة ولديها أعداد كبيرة من السكان الذين يعملون في سوق العمل غير الرسمي.

IFPRI Logoووفقا لتقديرات المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية (IFPRI) من المرجح أن ترتفع نسبة الفقر في أفريقيا جنوب الصحراء بحوالي 15٪ في المناطق الريفية و 44٪ في المناطق الحضرية.[18]

صعوبة الحصول على الطعام الصحي

لا يمثل الجوع التهديد الوحيد. فعندما يصبح المال شحيحاً، يميل المرء إلى استهلاك أغذية أرخص وأقل من حيث القيمة الغذائية – فيفضل النشويات الغنية بالطاقة على الأطعمة الأغلى ثمناً والأعلى من حيث القيمة الغذائية مثل الخضروات.[19]

ووفقًا لليونيسف، تعتبرالوجبات الغذائية الصحية، في المتوسط، أغلى خمس مرات من الوجبات الغذائية التي تلبي فقط احتياجات المرء من الطاقة الغذائية وتعتمد على نوع من النشويات[20].

وبالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية، تسببت جائحة فيروس كورونا المستجد أيضًا في تعطيل سلاسل التوريد المعقدة التي تحتاج إليها هذه الأطعمة كي تظل طازجة. كما أدى إغلاق المدارس إلى فقدان ما يقرب من 39 مليار وجبة مدرسية منذ بداية الجائحة، وهو ما جعل  400 مليون طالب يحرمون من مصدر بالغ الأهمية للحياة[21]. ويؤدي اتباع نظام غذائي غير صحي إلى مشاكل صحية طويلة الأمد فضلاً عن زيادة التعرض للعدوى والمرض.

وقد  تصبح الأمور أسوء…

 ساهمت حزم التحفيز الاقتصادي، وتأجيل الديون بالنسبة للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، فضلا عن مختلف برامج شبكات الأمان فى تجنب أسوء أزمة غذاء خلال عام 2020. وعلى الرغم من بعض الاستثناءات التي يمكن ملاحظتها، فقد توقفت الإمدادات الغذائية إلى حد كبير خلال العام الماضي بسبب استجابة الحكومات لتحذيرات الأمم المتحدة فيما يتعلق بإغلاق الحدود ووضع رسوم جمركية.  وكانت المحاصيل جيدة بشكل عام.

على الرغم من ذلك، فقد استنفد الكثيرون الاحتياطي الخاص بهم من الغذاء والنقد والدعم الأسري، ليصبحوا أكثر عرضة للمزيد من انعدام الأمن الغذائي. ويحذر برنامج الأغذية العالمي من أن 272 مليون شخص يواجهون اليوم الجوع الحاد، مقارنة ب 135 مليوناً في العام الماضي.[22] كما حذر المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، ديفيد بيزلي، في مارس 2021 من “أننا ننزلق مرة أخرى نحو حافة الهاوية”.[23]

ما الذي يمكننا القيام به حيال ذلك؟

تعد الصراعات والمشكلات المتعلقة بالمناخ من أخطر العوامل التي تهدد الأمن الغذائي. كما أنها تمثل تحديات معقدة وطويلة الأمد تتطلب التنسيق وتضافر الجهود على المستوى العالمي. وقد ساهمت جائحة فيروس كورونا المستجد في تفاقم تلك المشكلات. ولكن بالمقارنة، يمكن من خلال مستوى مناسب من الاستثمار والالتزام والتعاون مواجهة المشكلات قصيرة الأجل، ويكون ذلك من خلال مجموعة متنوعة من التدابير، والتي تشمل:

  • بيانات أفضل: كلما ازدادت معرفتنا، كلما كان بإمكاننا تقديم المزيد من المساعدة. وكما يؤكد القائمون على برنامج الأغذية العالمي: “يجب على مجتمع البيانات أن يعمل على تكييف أدواته من أجل توفير قياسات يمكن الاعتماد عليها لتأثيرات جائحة فيروس كورونا المستجد فيما يتعلق بالأمن الغذائي، ولتيسير حصول صانعي السياسات على البيانات ودراستها واستخدامها، وذلك حتى  يتمكنوا من اتخاذ القرارات بناءاً على أدلة موثوقة”.[24]
  • التعاون: تستطيع الدول أن توحد صفوفها من أجل مواجهة التحديات الاستثنائية التي يتعرض لها كل منطقة أو إقليم. وقد رأينا بالفعل أمورا واعدة في هذا الإطار. ففي أبريل 2020، أقام مجلس التعاون الخليجي ، شبكة متكاملة للأمن الغذائي، وبدأ في إعداد احتياطي استراتيجي من الغذاء، فضلاً عن الاستثمار في مجال الزراعة المحلية[25]. وعلى صعيد آخر، اتفقت ست وعشرون دولة من أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي على التنسيق فيما بينها من أجل ضمان آلية يمكن الاعتماد عليها فيما يتعلق بالحصول على الغذاء، مؤكدة التزامها “بالعمل والتنسيق وتبادل المعلومات والممارسات الجيدة، وكذا اتخاذ التدابير المناسبة وفقًا لواقع كل دولة”[26]. وفي يونيو 2020، أطلق بنك التنمية الأفريقي مبادرة Feed Africa (إطعام فقراء أفريقيا) كاستجابة  لأزمة جائحة فيروس كورونا المستجد، وتعد تلك المبادرة “خارطة طريق استراتيجية تهدف إلي تحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي الغذائي الإقليمي”. كما اتخذت منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية خطوات من أجل توفير سلاسل إمدادات إقليمية أكثر كفاءة ومرونة.[27]
  • النقد: شهدت جائحة فيروس كورونا المستجد ضخ كميات هائلة من الأموال في الاقتصاد من قبل الحكومات والبنوك والوكالات الدولية. فعلى سبيل المثال، قامت وكالة التنمية الدولية بتقديم مبلغ 5.3 مليار دولار أمريكي في صورة اسهامات جديدة في الفترة بين أبريل وسبتمبر 2020 فيما يتعلق بالأمن الغذائي، وذلك من خلال مجموعة من الاستجابات قصيرة الأجل لجائحة فيروس كورونا المستجد والاستثمارات طويلة الأجل لمعالجة العوامل والمحركات الرئيسة والمستمرة لانعدام الأمن الغذائي.[28] على الرغم من ذلك، فإن معظم التحويلات النقدية للأفراد كانت تحدث مرة واحدة، وكان هناك عجز كبير في التمويل. ويتوقع برنامج الأغذية العالمي عجزا يتراوح بين 6 و 7 مليارات دولار هذا العام. كما أن هناك حاجة إلى مزيد من المال كي يتمكن الناس من الخروج من تلك الكبوة.
  • الوقاية من الأوبئة في المستقبل: أكثر من 70 ٪ من الأمراض المعدية الحديثة (EID) تنشأ في الحيوانات – ويتزايد معدل انتقال مسببات الأمراض من الحيوانات إلى البشر مع إزالة الغابات والتغيرات التي تتعلق باستخدام الأراضي و تسارع معدلات النمو السكاني. وقد ناقشنا هذا الموضوع باسهاب في إحدى مقالات سلسلة سبوت لايت. ومن المنتظر أن تسهم المبادرات، التي نذكر منها مشروع الاستجابة للطوارئ والاستعدادات الخاصة بالأنظمة الصحية في الهند، في تحسين نظم مراقبة الأمراض في البشر والحيوانات ونظم المعلومات الصحية في جميع أنحاء البلاد[29]. كما أطلقت الصين أيضًا مشروعًا يهدف إلى تحسين أنظمة مراقبة المخاطر فيما يتعلق بالتهديدات الصحية الحيوانية وغيرها من التهديدات الصحية الناشئة.[30]
  • الحد من هدر الطعام: على الرغم من أن جائحة فيروس كورونا المستجد قد أثرت حتى الآن بشكل كبير على إمكانيات الحصول على الغذاء، وليس على التوريدات أو الإمدادات الغذائية، فإن أي زيادة في الإمدادات ستكون مفيدة بطبيعة الحال – لا سيما من حيث المساعدة في خفض التكلفة بالنسبة للمستهلك. فحوالي 70٪ من منتجي الأغذية حول العالم هم من أصحاب الملكيات الصغيرة الذين لا يمتلكون سوى القليل من التقنيات والأساليب اللازمة للحصول على الحد الأقصى من المحاصيل[31]. ووفقا لتقديرات البنك الدولي، يتم إهدار ما يقدر بـ37% من الأغذية التي يتم انتاجها في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وحدها قبل أن تصل إلى المستهلك[32]. وأي شيء يمكن القيام به من أجل مساعدة هؤلاء المنتجين سيكون له تأثير جد كبير فيما يتعلق بمواجهة تلك المشكلات.

ويوضح الرسم البياني التالي معدل إهدار الأغذية بالكيلوجرام للفرد الواحد في مناطق عالمية مختلفة، في كل من مرحلتي الانتاج والاستهلاك.[33]

وكما يوضح الرسم البياني، يمثل إهدار الطعام المشكلة الأكبر، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى سوء التخزين سواء لدي المنتجين أو خلال نقل المنتجات إلى بائعي التجزئة.

الاستثمار في المستقبل

يعتبر الأمن الغذائي العالمي من المجالات التي استطاعت عائلة جميل أن تترك فيه بصمة فارقة، كجزء من استراتيجيتها طويلة الأمد الخاصة بالاستثمار في قطاعات “البنية التحتية للحياة”.

فعلى سبيل المثال، يتولى معمل عبد اللطيف جميل للماء والغذاء (J-WAFS) بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) دعم البحوث والابتكارات والتكنولوجيات من أجل ضمان إمدادات آمنة ومرنة من الغذاء والماء بأقل تأثير ممكن على البيئة. ومنذ إنشاء المعمل في عام 2014، تم تمويل أكثر من 60 مشروعًا، وهو ما أدى إلى توفير أكثر من 12 مليون دولار أمريكي في صورة أموال للمتابعة بهدف زيادة البحوث التي تتم بالتعاون مع معمل عبد اللطيف جميل للماء والغذاء وتوسيع نطاقها[34].

وتركز الكثيرمن الأبحاث التي يدعمها معمل عبد اللطيف جميل للماء والغذاء على التقنيات المبتكرة التي تجعل  أنظمة الغذاء والمياه في البلدان النامية أكثر فعالية، وأقل تكلفة، ويسهل الحصول عليها.

ويمكننا أن نرصد أحد الأمثلة على ذلك في كينيا، حيث يدعم معمل عبد اللطيف جميل للماء والغذاء مشروعًا يجرى تحت قيادة الأساتذة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا دانيال فراي وليون جليكسمان، والذي يهدف إلي تطوير غرف التبريد بالتبخير المصنوعة من الفخار من أجل الحفاظ على الفاكهة باستخدام تبخر المياه الطبيعي، ودون الحاجة إلى الكهرباء.

وهناك مشروع بحثي أخر يقوده تيم سواجر، أستاذ الكيمياء في كلية جون دي ماك آرثر بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. يهدف هذا المشروع إلي تطوير تقنية استشعار للتأكد من سلامة الأغذية، والتي تجمع بين السرعة وسهولة الاستخدام فضلاً عن التكلفة المعقولة. ويعتمد البحث على قطرات متخصصة – يطلق عليها مستحلبات جانوس – والتي يمكنها الكشف عن التلوث البكتيري في الطعام والسوائل، مثل الماء والحليب. ويمكن أن تعود هذه التقنية بفوائد هائلة على البلدان الأقل نموا.

ويشكل الإنبثاث في الأبقار، مشكلة كبرى بالنسبة لمنتجي الحليب في جميع أنحاء العالم، إذ يمكن أن ينتشر المرض بسرعة بين قطعان بأكملها. وتعد الهند مثالاً على ذلك. فغالبًا ما يتم دمج الحليب الذي يتم جمعه من العديد من القطعان المختلفة في نقطة تجميع مركزية. وفي حالة إصابة أي من القطيع بالإنبثاث، فإن الكمية بأكملها تصبح فاسدة ويجب التخلص منها. ومن المنتظر أن تكون تقنية سواجر فعالة فيما يتعلق برصد الإنبثاث في القطيع المصاب قبل أن يلوث الحليب السليم – وهو ما يقلل بدوره من الهدر. لقد خرجت هذه التقنية بالفعل من المعمل كجزء من برنامج حلول معمل عبد اللطيف جميل للغذاء والماء، وتعمل الشركة الناشئة زيباس سيستمز Xibus Systems على تطوير بروتوكولات خاصة بالاختبارات الميدانية.

كما شارك معمل عبد اللطيف جميل للغذاء والماء مع رابوبنك Rabobank في الجائزة السنوية للابتكار في مجال الأغذية والزراعة، والتي تكرم المبتكرين في مجال سلسلة الامدادات الغذائية. وتشمل المشروعات التي حصلت على الجائزة فريقًا مشتركًا من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة تافتس والذي قام بتطوير غلاف طبيعي يعتمد على البروتين يزيد من عمر تخزين الفواكه والخضروات بنسبة تصل إلى 50٪.

ألا يستحق الأمر التفكير؟

مع تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد، تفاقمت العوامل طويلة الأمد التي تؤدي إلي انعدام الأمن الغذائي. في الوقت نفسه، خلقت الجائحة اضطرابا غير مسبوقا وكسادا عالميا تسبب في تراجع قدرة الملايين بشكل كبير على اتباع نظام غذائي صحي وتحمل تكلفته. على الرغم من ذلك،  لم يشهد العالم حتى الآن أي من أسوء التنبؤات التي أكدت احتمال حدوث مجاعات، ولكنه يجب أن يظل ملتزماً بمساعدة الفئات الأكثر ضعفاً حتى عام 2021 وما بعدها.

ومن خلال اتخاذ الإجراءات الضرورية في الوقت المناسب للغرض تعزيز الأمن الغذائي العالمي، سوف نتمكن من الحد من الجوع والمجاعات، ونستطيع التعامل مع مجموعة من الأمور الحيوية الأخرى مثل تغير المناخ والفقر والصحة العالمية والصرف الصحي.

يعد الغذاء احتياجا أساسيا وضروريا  لمستقبل مجتمعنا. وهو يحتل مكانا مهما ضمن أهداف الأمم المتحدة للاستدامة. فالغذاء يتعلق بشكل مباشر بتحقيق الهدف رقم 2 للتنمية المستدامة وهو: القضاء التام على الجوع. كما أنه يعد من العوامل الاساسية أيضا  لتحقيق الهدف رقم 12: الاستهلاك والانتاج المستدام، والذي يهدف إلى خفض نصيب الفرد من هدر الغذاء عالميا  إلى النصف والحد من هدر الغذاء بحلول عام 2030 (الهدف 12.3 من أهداف التنمية المستدامة[35]). وتتجلى أهمية الغذاء إذا ما علمنا أن معالجة الهدف رقم 12 تسهم أيضًا في تحقيق 11 هدفًا آخر من الأهداف الـ 16 للأمم المتحدة المتعلقة بالتنمية المستدامة.

ما من حكومة أو منظمة أو شركة تستطيع بمفردها معالجة مثل هذه المشكلات. فالأمر يتطلب الشراكة والعمل الجماعي على كافة المستويات ويحتاج ل”نهج تعاوني”، وهو ما يمثل عنصرا أساسيا في مؤسسة عبد اللطيف جميل. إنه تحدي يتعين علينا أن نقبل به – وأن ننتصر عليه معًا – حتي نتمكن من بلوغ مستقبل أكثر استدامة، وأقل تكلفة  وأكثر ازدهاراً لمجتمعنا.

 

[1]  The state of food security and nutrition in the world, UNICEF, 2020

[2]  The state of food security and nutrition in the world, UNICEF, 2020

[3]  Food Security and COVID-19 (worldbank.org)

[4]  http://www.fao.org/save-food/resources/en/

[5]  https://www.wfp.org/stories/wfp-glance

[6]  https://www.un.org/press/en/2021/sc14463.doc.htm

[7]  https://www.un.org/press/en/2021/sc14463.doc.htm

[8]  https://www.scidev.net/asia-pacific/opinions/covid-19-another-wake-up-call-for-food-security/

[9]  https://www.scidev.net/asia-pacific/opinions/covid-19-another-wake-up-call-for-food-security/

[10]  https://www.worldbank.org/en/topic/the-world-bank-group-and-the-desert-locust-outbreak#2

[11]  https://www.imf.org/en/Publications/WEO/Issues/2021/01/26/2021-world-economic-outlook-update

[12]  https://www.ilo.org/wcmsp5/groups/public/@dgreports/@dcomm/documents/briefingnote/wcms_755910.pdf

[13]  https://www.undp.org/press-releases/covid-19-looming-crisis-developing-countries-threatens-devastate-economies-and-ramp

[14]  https://www.worldbank.org/en/news/press-release/2020/10/29/covid-19-remittance-flows-to-shrink-14-by-2021

[15]  The state of food security and nutrition in the world, UNICEF, 2020

[16]  https://cdn.wfp.org/2020/plate-of-food/

[17]  https://www.npr.org/2020/09/27/912486921/food-insecurity-in-the-u-s-by-the-numbers

[18]  https://www.ifpri.org/publication/covid-19-and-global-food-security

[19]  http://www.fao.org/3/cb1000en/cb1000en.pdf

[20]  https://www.unicef.org/media/72686/file/SOFI-2020-in-brief.pdf

[21]  https://www.unicef-irc.org/publications/1176-covid-19-missing-more-than-a-classroom-the-impact-of-school-closures-on-childrens-nutrition.html?utm_source=twitter&utm_medium=socia

[22]  https://www.wfp.org/stories/wfp-glance

[23]  https://www.wfp.org/news/wfp-chief-calls-urgent-funds-avert-famine

[24]  https://docs.wfp.org/api/documents/WFP-0000114546/download/?_ga=2.95744668.181467085.1597837110-1558960872.1597837110

[25]  https://oxfordbusinessgroup.com/news/how-covid-19-honing-kuwait-s-focus-food-security

[26]  http://www.fao.org/americas/noticias/ver/en/c/1269548/

[27]  http://oxfordbusinessgroup.com/news/international-trade-year-review-2020

[28]  [28] http://documents.worldbank.org/curated/en/775981606955884100/Responding-to-the-Emerging-Food-Security-Crisis

[29]  https://www.worldbank.org/en/news/press-release/2020/04/02/world-bank-fast-tracks-1-billion-covid-19-support-for-india?CID=SAR_EN_IN_NW

[30]  https://www.worldbank.org/en/news/press-release/2020/06/18/china-new-project-to-reduce-risks-of-emerging-infectious-diseases-through-a-multisectoral-approach

[31]  http://foodsustainability.eiu.com/wp-content/uploads/sites/34/2018/12/FixingFood2018-2.pdf

[32]  https://www.worldbank.org/en/programs/africa-myths-and-facts/publication/is-post-harvest-loss-significant-in-sub-saharan-africa

[33]  https://www.weforum.org/agenda/2015/08/which-countries-waste-the-most-food/

[34]  https://jwafs.mit.edu/about/impact

[35]  https://sustainabledevelopment.un.org/sdg12