نسخة مطولة من مقابلة حصرية مع فادي جميل، نائب الرئيس ونائب رئيس مجلس الإدارة بشركة عبد اللطيف جميل، من مجلة الجمعية الدولية  لتحلية المياه “Global Connections”.

لقد لمع اسم عبد اللطيف جميل بشكل متزايد في قطاع الطاقة والخدمات البيئية في السنوات الأخيرة. فما هي إسهاماتكم في مجال صناعة المياه؟

لقد كان مجال العمل الرئيسي لشركة عبد اللطيف جميل فيما مضى هو السيارات. وعلى مدار أكثر من 75 عامًا، ظلت تربطنا علاقة وطيدة بتويوتا موتور كوربوريشن، والتي انتشرت في جميع أرجاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وفي أوروبا وآسيا والمحيط الهادئ. على الرغم من ذلك، ركزت الشركة، خلال السنوات الأخيرة، في توسعاتها على المستوى الدولي على مجال الطاقة المتجددة والخدمات البيئية. ويشمل ذلك شركة آلمار لحلول المياه، والتي دخلت مؤخرًا قطاع خدمات المياه في تشيلي من خلال الاستحواذ على Osmoflo SpA، و كما عملت في مصر من خلال الاستحواذ على ريدجوود، وذلك من خلال المشروع المشترك بين آلمار وشركة مرافق حسن علام.

تأسست شركة ألمار في العام 2016، وهي تعمل حاليًا في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. والمشروع الرئيسي الآخر في مجال الطاقة والخدمات البيئية هو فوتواتيو لمشاريع الطاقة المتجددة، والمعروفة باسم FRV، وهي شركة متخصصة في مجالى الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وقد ذاع صيتها بشكل خاص في أمريكا اللاتينية وأستراليا والشرق الأوسط وأوروبا. ولدينا خطط نمو طموحة وكبيرة على المستوى الدولي فيما يتعلق بكل من ألمار و FRV خلال السنوات القادمة.

ما مدى تفاعلك بشكل شخصي مع مجال صناعة المياه؟

أنا “مستثمر” وتصف هذه الكلمة علاقتى بمجال صناعة المياه بوضوح. فآلمار لحلول المياه تساعد في معالجة تحديات ندرة المياه وجودتها في جميع أنحاء العالم من خلال الاستثمار في مشروعات معالجة المياه وإعادة استخدامها ومشروعات تحلية المياه للقطاعات المحلية والصناعية. ولكن من وجهة نظري، يتجاوز اهتمامي ومشاركتي في مجال صناعة المياه حدود الاهتمام المالي.

فبصفتي مهتمًا بالأمور البيئية والأعمال الخيرية، أحب أن أعتبر نفسي ما يمكن أن تسميه “مستثمر ناشطً” – يستخدم ما لديه من مكانة فريدة ومميزة من أجل دعم المبادرات المختلفة، سواء كانت تجارية أو خيرية، والتي يمكنها الاسهام بشكل ملموس وهادف في بناء عالم أفضل.

لا شك أن المياه قضية جد مهمة، بل هي القضية الأهم على الإطلاق بالنسبة لكوكب الأرض والبشرية. ويعد الابتكار والتطوير والاستثمار في العمليات والتقنيات التي تمكننا، كمجتمع، من توفير إمدادات كافية من المياه لمجتمعاتنا وصناعاتنا وزراعتنا – بطريقة لا تضر بالبيئة – أحد أكبر التحديات التي نواجهها.

فعلى مدار الثلاثين عامًا الماضية، ارتفع معدل استخدام المياه سنويا بنحو 1٪، بينما يعيش أكثر من ملياري نسمة في دول تعاني من الإجهاد المائي. ويضطر ما يقرب من ثلثي سكان العالم – أي حوالي أربعة مليارات شخص – إلى تحمل الإجهاد المائي لمدة شهر واحد على الأقل كل عام. وفي الشرق الأوسط وحده، والذي هو إقليمي ووطني، يضطر 6٪ من سكان العالم إلى العيش على 1٪ فقط من مياه العالم العذبة.

إننى مؤمن بأن القضايا المتعلقة بندرة المياه جد كبيرة ولا يمكن تجاهلها.

وتعتبر الأزمات البيئية العديدة التي شهدناها في السنوات الأخيرة انعكاسات للضغط المتزايد وغير المحتمل على أثمن موارد كوكبنا. ويشمل ذلك الطقس القاسي والجفاف والمجاعات وحرائق الغابات والأوبئة. إننا إذا ركزنا فقط على معالجة هذه “الأعراض” بدلاً من القيام بالتخطيط لتغيير جذري في علاقتنا بالمياه ودورها المحوري في رفاهيتنا البيئية، فإن هذه الأزمات لن تستمر وحسب، بل ستزداد سوءًا بشكل كبير. وواقع الأمر أن هذه الأزمات تتسرب إلى المجالات الاجتماعية والاقتصادية ومن المنتظر أن تؤدي حتما في المستقبل إلى مشكلات مثل الهجرة والصراع.

يعتقد الكثيرون أن أزمة المناخ التي تواجه كوكبنا هي في الأساس أزمة مياه. فهل تتفق معهم؟

لا يمكن التحدث عن موضوع المناخ دون الخوض في أزمة المياه. فعلى الرغم من كل شيء، يتعلق تغير المناخ بالبيئة التي نعيش فيها. وباستثناء الهواء الذي نتنفسه،  تمثل المياه أهم عناصر البيئة. فإذا ارتفعت درجات الحرارة عالميا، ترتفع أيضاً درجة حرارة المياه، فتذوب القمم الجليدية، وترتفع مستويات البحار، وتتوقف إمدادات الغذاء، وتتلوث المحيطات، وتغمر المياه المناطق الساحلية، وتتدمر البيئات، وهكذا. إنها دائرة هلاك تحتل المياه مركزها. ويتصدر هذا المشهد الإقبال الشديد على الطاقة وهو ما يعنى زيادة الطلب بشكل غير محتمل على أنظمة الطاقة، والتي تعتمد في الأساس على  النفط والفحم والغاز، وهى عناصر محدودة، ومن المتوقع أن ينفد مخزونها خلال العقود القليلة القادمة.

وتعتبر الصلة بين الماء والغذاء والطاقة أمرًا جوهريًا فيما يتعلق بالتنمية المستدامة لمجتمعنا. لكن تزايد عدد سكان العالم، وتسارع وتيرة التوسع الحضري، وتغير النظم الغذائية، والنمو الاقتصادي – كل ذلك يعني أن الطلب على هذه العناصر الثلاث يرتفع بشكل متسارع. ناهيك عن الزراعة، التي تعد أكبر مستهلك لموارد العالم من المياه العذبة، وإنتاج وتوريد الغذاء، وهو ما يمثل أكثر من 25٪ من الطاقة المستخدمة على مستوى العالم. إن العلاقة بين هذه المجالات الأساسية الثلاثة جد وثيقة. وتتطلب مواجهة التحديات اتباع نهج شمولى ومتكامل في جميع أرجاء العالم لضمان تحقيق الأمن المائي والغذائي وإنتاج الطاقة المستدامة والنظم الزراعية العملية حول العالم.

كما أشرت – وأنا أتفق معك في الرأي – يفرض الطلب المتنامى على المياه ضغوطًا متزايدة على ما هو متاح لدينا من موارد محدودة. فما هى الطريقة المثلى للتعامل مع ذلك؟

يمكن القول أن تحلية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي تعتبر من أكثر التقنيات المتاحة في الوقت الحالي تقدمًا، والتي يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في التغلب على هذا التحدي. فعلى الصعيد العالمي، يعتمد أكثر من 300 مليون شخص في الوقت الحالي على تحلية المياه للحصول على احتياجاتهم من المياه. ويشمل ذلك محطة تحلية الشقيق، بالمملكة العربية السعودية، والتي يجرى تطويرها من قبل اتحاد شركات يضم شركة ألمار لحلول المياه. ومن المنتظر أن تصبح هذه المحطة واحدة من أكبر محطات تحلية المياه بطريقة التناضح العكسي في العالم بمجرد اكتمالها، وأن تعمل بطاقة إنتاجية تبلغ 450 ألف متر مكعب في اليوم، وتوفر مياه الشرب ل 1.8 مليون شخص لأكثر من 25 عامًا، كما أنها ستقوم بتوفير 700 فرصة عمل. وبالمثل، في مومباسا، تعمل ألمار على تطوير أول محطة كبيرة لتحلية المياه في كينيا. وبمجرد اكتمال العمل في هذه المحطة، ستقوم بتوفير أكثر من 100,000 متر مكعب من مياه الشرب لأكثر من مليون شخص.

 

في الوقت نفسه، يحظى البحث والابتكار في مجال إعادة استخدام مياه الصرف الصحي بالاهتمام. فقد تضاعفت قدرة إعادة استخدام المياه عالميا تقريبًا منذ عام 2010، وأنا أتوقع أن يستمر النمو بالوتيرة نفسها، إن لم يزداد. ويتصدر المشهد عدد من الرواد الذن نذكر منهم كاليفورنيا وسنغافورة. وفي الوقت الحالي، يمثل المتوسط العالمى لإعادة استخدام المياه نسبة لا تزيد عن 4٪، لذلك هناك احتمالات هائلة للمزيد من النمو، ونحن نشهد إدراكاً متزايدًا بأن معالجة مياه الصرف الصحي يمكن أن تقدم حلاً غير مكلفًا ومرنًا ومستدامًا لندرة المياه، يتكامل مع تطوير قطاع تحلية المياه. ومن المنتظر أن يتم تعزيز هذا الاتجاه من خلال اللوائح الجديدة الخاصة بإعادة استخدام مياه الصرف الصحي في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، والتي تساعد على توفير إطار دولي متسق فضلا عن زيادة الوعي بالجوانب الإيجابية والمعايير المتعلقة بإعادة استخدام المياه.                          

وتعمل ألمار لحلول المياه بالفعل على نقل ريادتها في مجال تكنولوجيا تحلية المياه إلى مجال حلول معالجة مياه الصرف الصحي المستدامة. ويشمل ذلك الاستحواذ علي حصة كبيرة في محطة معالجة مياه الصرف الصحي التي تعمل بأحدث تكنولوجيا تم التوصل اليها في هذا المجال بطاقة تصل إلى  100,000 متر مكعب / يوم ونظام نقل الصرف الصحي في المحرق في البحرين. وبالمثل، وفي مصر، حيث لا يستطيع 7.3 مليون شخص الحصول على مياه آمنة صالحة للشرب، ويحرم 8.4 مليون شخص من خدمات الصرف الصحي المناسبة، تعمل شركة آلمار مع شركة “مرافق حسن علام” لتطوير إدارة مياه الصرف الصحي وغيرها من المشروعات الأخرى الخاصة بالبنية التحتية للمياه في جميع أنحاء البلاد.

إن اتجاه الرحلة واضح، وأنا أتوقع أن نرى المزيد من أنشطة الابتكار والاستثمار في كل من قطاعي تحلية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي في السنوات المقبلة، باعتبارهما من أكثر الحلول الواعدة فيما يتعلق بمواجهة تحدي ندرة المياه.

تعتبر التكلفة من أبرز معوقات الاستثمار في مجال تقنيات المياه، ولاسيما تكلفة الطاقة اللازمة لتشغيل محطات تحلية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي. فكيف يتغير ذلك؟

من المفارقات القاسية  أن تكون عملية تحلية المياه عادة باهظة التكلفة في المناطق التي هي في أمس الحاجة إليها. فبالإضافة إلى التكاليف الباهظة للطاقة، تعتبر عملية نقل المياه صعبة ومكلفة بالنسبة لقيمتها. ويعني ذلك أن محطات تحلية المياه عادةً ما تقام على السواحل وبالقرب من أماكن الاستخدام، حيث تلبي احتياجات القطاعات الصناعية أو التجارية أو المحلية الغنية إلي حد ما، تاركة  المناطق الداخلية الأكثر حرمانًا “لا حول لها ولا قوة”. لكنني أؤمن بأن هناك العديد من الأسباب التي تدفعنا كى نكون متفائلين.

ومع الابتكارات المتواصلة التي شهدناها منذ سبعينيات القرن الماضي، تراجع استهلاك الطاقة اللازمة لتحلية المياه بطريقة التناضح العكسي بمعامل 10 / إلى العشر، وهو ما يجعلنا نتوقع انخفاض التكاليف بنسبة تصل إلى الثلثين على مدى العقدين المقبلين. وتبشر الأبحاث المكثفة في مجال المعالجة الأولية، والفلترة باستخدام تقنية النانو، والطرق الكهروكيميائية بجعل عملية تحلية المياه أكثر كفاءة، بينما هناك جيلًا جديدًا من المنشآت “الصديقة للبيئة” يجعل تحلية المياه حلًا أكثر استدامة بالفعل. فعلى سبيل المثال، يمكن لنظام تحلية يعمل بالطاقة الشمسية ويستخدم في الصين أن يوفر أكثر من 1.5 جالون من مياه الشرب العذبة في الساعة باستخدام متر مربع واحد من الألواح الشمسية. وهناك منظمة لا تهدف إلى الربح تسمى جف باور GivePower، تقوم بتوفير أنظمة تحلية مياه شمسية تعمل بالبطاريات للمجتمعات الفقيرة في كل من كينيا وهايتي. وأنا أتوقع – بل وآمل أيضًا – أن نرى المزيد من الابتكارات المماثلة التي تساعد في تعظيم إمكانات تقنيات تحلية المياه.

كما نشهد أيضاً، مع تطور مصادر الطاقة المتجددة، المزيد والمزيد من وحدات تحلية المياه الصغيرة النائية لخدمة المجتمعات الموجودة خارج الشبكة.

وعندما يتعلق الأمر بالاستفادة من كامل إمكانات تقنيات تحلية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي، سنجد أيضًا أن الطاقة المتجددة تمثل جزءا حيويًا من القصة. ولهذا السبب قمنا في عبد اللطيف جميل بتضمينها في الفلسفة التي ننتهجها على المدى الطويل.

ونحن نقوم من خلال FRV، بتسخير حلول تنطوي على انبعاثات اقل من الكربون مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية لتوليد طاقة نظيفة في جميع أنحاء العالم، من أستراليا إلى تشيلي. وقد أطلقنا فريقًا مخصصًا للتركيز على الجيل التالي من البطاريات عالية الأداء، وذلك مع إدراك أن حلول تخزين الطاقة على مستوى المرافق تعد أمراً ضرورياً لتسريع الانتقال إلى مستقبل أكثر اعتمادًا على الطاقة الخضراء. ونحن نطمح في إضفاء الصبغة الديمقراطية على مجال الطاقة المتجددة من خلال تجاوز الحوار البيئي وجعل الاقتصاد صالحاً بشكل أكبر كى يكون محفزًا لاستخدام الطاقة النظيفة على نطاق أوسع.

Atacama Desert

لسنا الوحيدون … ونأمل أن يحظى هذا التحول بزخم لا يمكن إيقافه. وفي النهاية، أود أن أقول أننا نتوقع أن نرى المنشآت الخاصة بالمياه، سواء منشآت التحلية أو معالجة مياه الصرف الصحي، في نفس مواقع محطات الطاقة المتجددة، وهو ما يوفر الطاقة المستدامة وإمدادات المياه للمجتمعات التى تحتاج إليها في جميع أنحاء العالم.

الدكتور جون لينهارد، والذي تم تعيينه مؤخرًا عميدًا للجمعية الدولية لتحلية المياه وانضم إلى مجلس الإدارة، هو أيضًا مدير معمل عبد اللطيف جميل للماء والغذاء (J-WAFS) في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. هل يمكنك أن تحدثنا عن هذا المعمل والدور الذي يقوم به؟

يعتبر معمل عبد اللطيف جميل للماء والغذاء J-WAFS واحد من أربعة معامل بحثية شاركنا في تأسيسها أو تمويلها في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا من خلال مجتمع جميل، ذراع العائلة للأعمال الخيرية العالمية. أما المعامل الأخرى فتشمل معمل عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر (J-PAL) ، ومعمل عبد اللطيف جميل العالمي للتعليم (J-WEL)، وعيادة عبد اللطيف جميل لتقنيات التعليم الآلي في مجال الرعاية الصحية (The Jameel Clinic).

يضم معمل عبد اللطيف جميل للماء والغذاء (J-WAFS) كوكبة من أبرز الباحثين على مستوى العالم في مجال أنظمة المياه والغذاء من أجل المساعدة في مواجهة التحديات غير المسبوقة لتغير المناخ.

عندما قام كل من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ومجتمع جميل بتأسيس معمل عبد اللطيف جميل للماء والغذاء J-WAFS في عام 2014، كنا على دراية تامة بأزمة المياه والغذاء التي تواجه مجتمعنا. وتكمن الفكرة وراء المعمل في تيسير وتشجيع الاثراء المتبادل للأفكار وتطوير الأبحاث المتقدمة والتكنولوجيا التي يمكن أن تستخدم في المجال التجاري فيما بعد على أرض الواقع، لا سيما في الأسواق الأقل نموًا ويشمل ذلك، على سبيل المثال، إفريقيا وجنوب وجنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية. ويعمل مجتمع جميل نفسه كحلقة وصل تربط بين الأبحاث البارزة من ناحية والمستثمرين والشركاء المحتملين من ناحية أخرى، حيث يستفيد من العلاقات طويلة الأمد بين عائلة جميل ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.

وحتى هذه اللحظة، قدم معمل عبد اللطيف جميل للماء والغذاء الدعم لأكثر من 200 باحث و 21 مشروعًا معمليًا وأربع شركات ناشئة أو منتجات. ومن بين النجاحات التي حققها المعمل إنتاج مرشح مياه طبيعي منخفض التكلفة مصنوع من النسيج الخشبي. فعندما تقوم النباتات بسحب الماء عبر جذورها ونقلها إلى الأوراق عن طريق نسيجها الخشبي، فإن ذلك يمكن أن يتسبب في تكون فقاعات في الماء. وللتخلص من هذه الفقاعات، تمتلك النباتات أغشية داخل النسيج الخشبي تقوم بتصفيتها. وقد أوضح فريق العمل في معمل عبد اللطيف جميل للماء والغذاء J-WAFS أنه يمكن أيضًا استخدام تركيب غشاء النسيج الخشبي نفسه في ترشيح المياه وإزالة البكتيريا. وهم يستخدمون الفكرة نفسها في تصميم فلاتر مياه منزلية عملية وفعالة تعتمد على النسيج الخشبي ولن تكلف سوى بضعة سنتات.

وهناك مثال آخر وهو مشروع يستخدم قطرات متخصصة – تسمى مستحلبات جانوس – تتمثل وظيفتها في الكشف عن التلوث البكتيري في الغذاء، بغرض تقديم تقنية استشعار لسلامة الأغذية سريعة وسهلة وبأسعار معقولة للصناعة والمستهلكين على حد سواء. كما يمكن أيضًا استخدامها للتحقق من وجود ملوثات في إمدادات المياه أو الكشف عن الكائنات المسببة لتلف المنتجات.

كانت إحدى نقاط الضعف في السياسات السابقة فيما يخص المناخ (وبالتالي المياه) هي الافتقار إلى البيانات التى يمكن الاعتماد عليها فيما يتعلق بمدي فعالية السياسات والمبادرات المختلفة. وأعتقد أن معمل عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر J-PAL يمد يد العون لمعالجة هذه المشكلة؟

Esther Duflo & Abhijit Banerjee
Esther Duflo & Abhijit Banerjee

نعم هذا صحيح. فمعمل عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر J-PAL هو مركز أبحاث عالمي يعمل على الحد من الفقر من خلال ضمان أن يكون وضع السياسات قائمًا على الأدلة العلمية. ويضم معمل عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر J-PAL  شبكة من أكثر من 190 أستاذًا من جميع أنحاء العالم – يقودهم مؤسساها الحائزان على جائزة نوبل، وهما البروفيسور أبهيجيت بانيرجي والبروفيسور إستر دوفلو. ومن خلال تلك الكوكبة، يقوم معمل عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر J-PAL بإجراء التقييم العشوائي  للأثر بغرض تقييم تأثير السياسة.

وينصب اهتمام المعمل، كما يتضح من اسمه، على الحد من الفقر العالمي، ولكن نظراً إلى أن أفقر الناس حول العالم هم الأكثر عرضة لآثار تعاملنا مع البيئة، والأكثر تضررًا جراء ذلك بشكل غير متناسب، فإن تغير المناخ يقع داخل دائرة اهتمامته أيضًا. ولهذا السبب، قمنا بتأسيس برنامج محدد للبيئة والطاقة والتغير المناخي – مبادرة الملك للعمل المناخي – وذلك لقياس تأثيرات السياسات المتعلقة بالطاقة والبيئة على أرض الواقع، لا سيما فيما يخص الحصول على الطاقة، والحد من التلوث، والحد من تغير المناخ والقدرة على الصمود.

وبالإضافة إلى دعم صانعي السياسات في تطبيق الأدلة التي يتم استنتاجها من التقييمات العشوائية على عملهم، فإن معمل عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر J-PAL يقدم أيضًا رؤى للسياسات توضح الدروس العامة المستخلصة من الابحاث، كما أنه يلخص نتائج التقييمات في المنشورات الخاصة بالسياسات وملخصات التقييم، وهو ما يجعل هذه البيانات القيمة في متناول أكبر عدد ممكن من الجمهور.

إنه برنامج مثير حقًا ونحن نشهد بالفعل بعض النتائج الرائعة له في مجال التغير المناخي والسياسات المائية.

لقد تغير عالمنا كثيرًا في الأشهر الماضية بسبب الجائحة. في رأيك، ما هو تأثير ذلك على صناعة المياه؟

لا شك أن الجائحة ستخلف آثارًا ملحوظة على صناعة المياه، سواء بشكل مباشر أوغير مباشر. فمن المتوقع لها أن تؤثر على أنماط ومستويات الاستهلاك. فمع بقاء المزيد من الأشخاص في منازلهم بسبب قيود الإغلاق، قد يشهد الاستهلاك المنزلي ارتفاعًا. في الوقت نفسه، سيتراجع الاستهلاك الصناعى، حيث أن العديد من الصناعات قد تأثرت سلبًا بسبب الأزمة. أما الزراعة، فهى الأقل تأثرًا بالجائحة.

ومع ذلك، فإنني أعتقد أن التأثير الحقيقي سيكون غير مباشر، متمثلا في زيادة الوعي فيما يتعلق بالتغير المناخي والاستدامة البيئية لمجتمعنا.

تعد  الجائحة خير دليل على أن الإنسان هو المسبب لكثير مما يحدث على كوكبنا من تغيرات بيئية. وإذا كانت هناك دروس مستفادة من جائحة فيروس كورونا المستجد، فالدرس الأول هو أن منع تكرار مثل هذا التفشي الكارثي للوباء سيتطلب طريقة مختلفة كلية في التفكير حول كيفية الحصول على الموارد الطبيعية والتعامل معها واستهلاكها – وبالطبع ليس بين هذه الموارد ما هو أغلى من المياه.

وفي رأيي، سيؤدي ذلك – وهذا ما اتمناه – إلى زيادة وتيرة الاستثمارات في تقنيات تحلية المياه الأكثر كفاءة من حيث استخدام الطاقة. كما سيكون ذلك محركًا لتوسعات هائلة في مجال صناعة معالجة مياه الصرف الصحي. وقد تتجاوز النتائج ذلك، مع التطورات التي شهدتها الأطر التنظيمية كتلك التي رأيناها في لوائح الاتحاد الأوروبي.

ما مدى تفاؤلك فيما يتعلق بمستقبل صناعة المياه ودورها في تشكيل استجابتنا لأزمة المناخ؟

أنا  شخص متفائل بطبيعتي … لذلك آمل أن نتمكن من اتخاذ الخطوات اللازمة لتسخير إمكانات صناعة المياه من أجل الحفاظ على مجتمعاتنا وحماية كوكبنا ومستقبلنا.

لن تكون الرحلة سهلة. ويجب على جميع الأطراف أن تعمل معًا – القائمون على صناعة المياه، والمستثمرون، والمنظمات غير الحكومية، والحكومات، والباحثون، والمجتمعات – من أجل دفع عجلة التقدم اللازم لتأمين إمدادات مياه آمنة ونظيفة ومستدامة للجميع.

إن أزمة المياه مسؤولية الجميع.

ولدي اعتقاد راسخ أننا إذا أعطينا الأولوية لتحدي المياه، ووضعنا السياسات والأطر المالية لتشجيع الاستثمار والابتكار وتعزيز روح التعاون والشراكة، سيكون بإمكاننا بناء صناعة مياه قادرة على لعب دور حاسم في تعزيز الأمن المائي والتنمية العالمية، وهو ما سيساعد بدوره في تأمين مستقبل مستدام للجميع.