لعله من الصعب تخيل فكرة عالم بلا مياه في الوقت الراهن، على الأقل مياه مناسبة للاستخدام البشري، لكن هذا ليس بسيناريو أو تصور بعيد الحدوث لنتفكر فيه.

إن الأمن المائي وسلامة المياه وتوافر إمداداتها واستدامتها تزداد إشكالية وصعوبة على نحو مطرد في أنحاء الكوكب.  فثمة ضغط شديد على موارد المياه واحتياطاتها على نحو لم يحدث من قبل، بل إن قاسم متزايد من سكان العالم يواجهون بالفعل صعوبات كبرى في هذا الصدد.  وحاليًا، يعيش ما يقدر بنحو 3.6 بليون شخص (أي تقريبًا نصف سكان العالم) في مناطق عرضة بالفعل لندرة المياه لشهر على الأقل سنويًا.  أما سقف التقديرات فيشير أن هذا الرقم قد يبلغ 5.7 بليون شخص بحلول العام 2050[1].

ولعل الجمهور العام غير المتخصص يجد من الصعب استيعاب مسائل موارد المياه العالمية.  إن المياه تغمر 70% من الكوكب، فأين المشكلة؟  لكن المياه العذبة، تلك التي نشربها ونستحم بها ونروي بها المحاصيل، نادرة على نحو لا يصدق.  فالمياه العذبة المتاحة تبلغ 1% فقط من المياه بالعالم.  وثمة 2% إضافية من المياه العذبة لكنها حبيسة مواضع لا يُمكن بلوغها مثل الجليديات المتجمدة[2].

إن التأثير المتسارع لتغير المناخ يعيد كذلك تشكيل وصياغة بعض من أكبر قضايا المياه التي تواجه المُجتمعات في أنحاء العالم.  فنحن نجابة تحديًا متناميًا يتمثل في فرط زيادة كميات المياه في بعض الأماكن وعدم كفايتها في أخرى.  ويرى البروفسير أرجن جوكسترا، من جامعة توينتي بهولندا أن “التغير المناخي يُزيد وسيزيد الموقف سوءًا في معظم الحالات”[3].

رئيس مجموعة البنك الدولي الدكتور جيم يونج كيم (إلى اليسار) والسكرتير العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس (إلى اليمين)

إن مشكلة المياه خطيرة جدًا للدرجة التي دفعت السيد السكرتير العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس ورئيس مجموعة البنك الدولي الدكتور جيم يونج كيم إلى إصدار بيان مشترك غير مسبوق في مارس 2018:

“… إن أجزاء ومواضع من الكوكب تعاني بؤس الجفاف فيما يلاقي آخرون دمار الفيضانات.

 فتغير المناخ يُصعب التنوع الطبيعي لدورة المياه، ويُزيد الضوائق المالية التي تقيد النمو الاجتماعي والتطور الاقتصادي. 

فصحتنا، وأمننا الغذائي، واستدامة الطاقة، والوظائف، والمدن والأنظمة المتكاملة التي تعتمد عليها الحياة بأسرها تتأثر كلها بكيفية إدارة المياه في أجزاء مختلفة من العالم”.[4]

 قضايا المياه في الشرق الأوسط

إن (MENAT) منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا تعيش الآن مفترق طرق فاصل لواحدة من أكثر مشاهد العالم تحديًا وإشكالية على مستوى إتاحة المياه.

المصدر: مقطع فيديو في لفتة كريمة من معهد الشرق الأوسط.

يقطن بالمنطقة حوالي 6% من سكان العالم لكن لا يتوفر بها سوى 1% من موارد العالم من المياه العذبة.[5]

صرح دانيال ساجي فيلا، الرئيس التنفيذي لشركة اف آر في، المتخصصة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المتجددة، وإحدى شركات عبد اللطيف جميل للطاقة، قائلاً: “ولأننا غالبًا ما ننظر إلى الاستدامة من وجهة نظر الدول المتقدمة، فإننا لا ندرك أن المياه مشكلة كبيرة. ولكن من وجهة نظر الدول النامية، المياه أكثر أهمية من الطاقة.”

تذكر إحصائيات المنتدى المائي العالمي أن 40% من السكان العرب يعيشون بالفعل في ظروف من ندرة المياه المطلقة[6].  ومما يُثير القلق أكثر وأكثر أن نصيب الفرد في الإقليم من المياه العذبة المتاحة انخفض بنسبة 20% من 990 متر مكعب إلى 800 متر مكعب في غضون العقد ما بين 2005 و2015[7].

وأوضحت دراسة مشتركة أجرتها ناسا وجامعة كاليفورنيا إيرفين في عام 2013 أن الشرق الأوسط يفقد من موارد المياه العذبة ما يُكافئ البحر الميت كاملاً في غضون سبع سنوات ما بين 2003 و2009[8].  بل إن البحر الميت نفسه يتقلص.

إن تسعة عشر دولة، من بينها البحرين والأردن، والكويت، وقطر، والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، يبلغ إجمالي موارد المياه المتجددة فيها (TRWR) أقل من 500 متر 3 للشخص سنويًا.[9]

ومع تزايد الضغط على إمدادات المياه مع زيادة النمو السكاني وآثار تغير المناخ العالمي السلبية، فمن المتوقع أن يتراجع نصيب الفرد من المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى النصف بحلول سنة 2050[10]

نظرة فاحصة على الموقف في المملكة العربية السعودية

إن المتأمل في الموقف في المملكة العربية السعودية يجد أن إمدادات المياه الآخذة في الانخفاض يقترن بها معدلات عالية من استهلاك الفرد بما يوسع الفجوة ويزيد من تعقد وسوء موف مورد نادر بالفعل.  فالتعمير الحضري وتحسين أنماط الحياة يعني استهلاك الناس لمزيد من الماء فيما يباشرون أنشطة طبيعية مثل المهام اليومية مثل الاعتناء بالحديقة وغسيل السيارات.  والواقع أن متوسط استهلاك المياه اليومي للفرد في المملكة العربية السعودية هو 266 ليتر يوميًا (بمعدل يبلغ 96.8 متر مكعب سنويًا) في 2017 والذي بالمقارنة بمعدل استهلاك بلغ 270 لتر يومي (98.4 متر مكعب سنويًا) في 2016 يتضح أن ثمة انخفاض قدره 1.7 بالمائة فيما يمثل أول انخفاض منذ العام 2013 وفق ما قدمته الهيئة العامة للإحصائيات، وإن كان لا يزال ذلك الرقم يبلغ ضعف متوسط المواطنين الأوروبيين في استهلاك المياه.[11]

يُذكر كذلك أن قرابة 49% من المياه المستهلكة منزليًا هي من تحلية المياه فيما يقدر أن 1.55 مليون متر مكعب من استهلاك العام 2017 هي من تحلية المياه في مقابل 1.38 مليون متر مكعب في العام السابق عليه، بزيادة تبلغ 12.8% ونمو للعام السابع على التوالي بدءًا من العام 2011

إن الضغط على موارد المياه لا ينتهي على مستوى الأفراد فحسب.  فاقتصاد الدولة المتنامي له متطلبات مائية متزايدة كذلك.  فالطلب الصناعي على الماء مثلاً قد ارتفع بنسبة 7.5% سنويًا في السنوات الأخيرة، ويتوقع أن يزداد بنسبة 50% بحلول 2032[12].

كذلك يُمثل القطاع الزراعي عاملاً رئيسيًا آخر في استهلاك المياه العالي في الشرق الأوسط، إذ عادة ما يشكل استهلاك المياه في القطاع الزراعي 80 في المائة من احتياجات المياه السنوية للمنطقة[13]

لذا ينتاب الخبراء القلق أن فرط استخدام المياه في النصف الثاني من القرن العشرين والضغوط الاقتصادية والديموغرافية المصاحبة في العقود الأخيرة كلها عوامل قد تدفع بموارد المياه في المملكة العربية السعودية إلى مرحلة حرجة[14].

فبعض الدراسات ترى أن 80% من المياه العذبة المخزنة في جوف الصحراء في المملكة العربية السعودية قد استهلكت في غضون جيل واحد[15].  علاوة على ذلك، وبحسب بعض التقديرات، فإن موارد المياه الطبيعية في عدة أنحاء من البلاد يتهددها خطر الفناء في خلال العشرين عامًا القادمة[16].

لكن يبقى علامات وإشارات جلية أن ثمة تحسن قد حدث وأن الموقف أخذًا في التحسن البطيء في الإقليم.  ولقد تلقت المملكة العربية السعودية، على وجه الخصوص، تقديرًا دوليًا لالتزامها بمعالجة الموقف، وذلك لضمان وصول اقتصادها الأخذ في النمو والازدهار وسكانها متزايدي العدد إلى موارد المياه التي يحتاجون إليها للازدهار.

 وعن ذلك ذكرت الدورية الأكاديمية ذات الثقل،Annals of Global Health’ أن:

“إن ما اتخذته المملكة العربية السعودية من خطوات نحو تطوير وحدات تحلية المياه، والتوسع في عمليات تدوير المياه والبنى التحتية، والانتقال من الزراعة المحلية إلى إسناد منتجات الطعام والغذاء إلى جهات خارجية، والدفع بقوة في اتجاه الاستفادة من الطاقة الشمسية وبدء مرحلة التحول عن الوقود الحفري يجعلها قد فعلت كل ما بوسعها لضمان وتوفير موارد مياه محلية ومتاحة وأنه سيكون بمقدورها الاستمرار في هذه الممارسات[17]“.

والمملكة العربية السعودية لديها بالفعل خامس أكبر قدرة على تحلية المياه في العالم بطاقة تزيد على 5 مليون متر مكعب يوميًا من المياه المحلاة.

وعلاوة على ما تقدم، فلقد أعلنت المملكة العربية السعودية خططها لزيادة هذه الأرقام أكثر وأكثر، مع إنشاء وتطوير تسع محطات تحلية على شاطئ البحر الأحمر في جدة فيما يمثل علامة واضحة على استبقاء المواجهة مع تحدي المياه.  لكن لتحقيق أهداف النمو الصناعي والتصنيعي الموضحة في رؤية 2030، فإنه يتوقع الحاجة إلى استثمارات أكثر بكثير في هذه الجزئية في السنوات القادمة.

فهم الصعوبات الرئيسية في قضية المياه

في تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي المعنون تقرير المخاطر العالمية 2018، جاءت أزمات المياه كخامس أكبر تهديد يواجه كوكبنا في العقد القادم، مع ثلاث جزئيات محددة تثير اهتمامًا خاصًا:

  1. ندرة المياه
  2. تحلية المياه
  3. جودة المياه

 تناول قضية ندرة المياه

لا تقتصر ندرة المياه أو تنتهي على أجزاء أو مناطق معينة من الكوكب؛ بل إنها تأثر على كل قارة فضلاً عن اشتداد حدة الموقف على إثر ما تلقي به المناطق متسارعة النمو العمراني من ضغوطًا ثقيلة على موارد المياه المجاورة[18].

فأربعة عشر مدينة من أكبر مدن العالم – بما في ذلك طوكيو، ومومباي، ونيويورك، ولندن، وريودي جانيرو – كلها تعاني ندرة المياه[19] ونصف سكان العالم تقريبًا يعيشون ندرة مياه قاسية لشهر واحد في العام على الأقل.[20] في صيف 2018، وبعد أعوام من انخفاض معدل الأمطار، كانت كيب تاون، ثاني أكبر مدن جنوب أفريقيا، على وشك أن تنضب منها المياه.

ويعني تراجع مستويات الأمطار في بعض المناطق انخفاض مستويات المياه الجوفية وزيادة ملوحتها.

لقد شهد العام 2015 توجه نحو 20 مليون مقيم في ساو باولو إلى البدء في حفر الأدوار الأرضية ومرآب السيارات بحثًا عن المياه الجوفية[21]– وكان ذلك علامة كبرى على تحول الأحداث والحياة لمكان كان يُلقب في البرازيل “مدينة الرذاذ” كناية عن كثرة الأمطار.

ثمة مشاكل مختلفة في أقاليم أخرى.  ووفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي، فإن داكا وهيوستن وجاكرتا ومكسيكو سيتي ضمن عدد من الدول حول العالم تسحب كميات هائلة مفرطة من المياه الجوفية من تحت الأراضي حولها لدرجة انهيار الأرض المقامة عليها.[22] 

لذا فإن الحديث عن جسامة آثار ندرة المياه وعواقبها ليس بمبالغة أو تهويل.  فالأمر لا ينتهي عند أن نسبة كبيرة من سكان العالم يعيشون بالفعل في مناطق نادرة المياه[23]، فإنه يقدر أن نصف سكان العالم من إنتاج الحبوب سيكون مهددًا بحلول عام 2050.

ويرى ميرسيا دينكا البروفسير المساعد في قسم الكيمياء في  معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا(MIT) وعضو معمل عبداللطيف جميل للماء والغذاء(J-WAFS) في MIT، الذي يعمل على بحوث في تكنولوجيا ابتكارية لجمع المياه لاستخدامها في مناطق الإجهاد المائي، أن: فالكثيرون يدركون التحديات التي تواجهها مجتمعاتنا فيما يتعلق بالطاقة، والحاجة للتركيز على موارد الطاقة المستدامة،  بينما يدرك عدد أقل من الناس التحديات المتعلقة بندرة المياه وإجهاد الموارد المائية التي تواجها مناطق كثيرة بالعالم، التي ستزداد شدتها وخطورتها في المستقبل.  ومن المتوقع أنه في غضون سنوات قليلة لن يتمكن أكثر من 30% في المائة من سكان العالم من الحصول على مصدر مستدام للمياه العذبة.

إن مسألة ندرة المياه تبدو جلية الصعوبة بالنسبة لإقليم (MENAT) منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا على وجه الخصوص.  فتقديرات البنك الدولي ترى أنه ما لم يحدث تغير كبير في عادات استخدام المياه أو تطوير موارد جديده للمياه، فإن نحو 60% من الإقليم سوف يواجه إجهادًا مائيًا شديدًا أو بالغ الصعوبة والشدة بحلول عام 2040.  بل ويتوقع أن ندرة المياه سوف تكلف الإقليم ما بين 6% و14% من إجمالي الدخل القومي بحلول عام 2050[24].

أحد الحلول الرئيسية يتمثل في استحداث وتعزيز التغييرات في القطاع الزراعي، الذي لا يزال أحد أكبر مستخدمي المياه في الإقليم.  ولقد أحرز قدر من التقدم بالفعل خلال تعزيز ونشر حلول معتمدة على الطبيعية، وهي مجموعة من الحلول ترى الأمم المتحدة أنها قدرة على تلبية ومجابهة تحديات المياه المعاصرة، بما في ذلك الزراعة والمدان المستدامة والحد من مخاطر الكوارث وجودة المياه[25].

لذا فإنها تحث الحكومات حثًا على تحديد وتشجيع النتائج المفيدة للجميع للحلول المعتمدة على الطبيعة.

وتتمسك الأمم المتحدة بموقفها بإصرار: “ثمة إمكانيات وفوائد هائلة للحلول المعتمدة على الطبيعة بما يجعلها مميزة بل وفريدة وجوهرية في كثير من الجوانب، فهي تساهم في تحقيق استدامة موارد المياه وتلبية وتحقيق العديد من الأهداف المتنوعة لإدارة المياه.  لكن هذه الحقيقة للأسف غير مقدرة حاليًا حق التقدير على نطاق واسع[26].”

التركيز المتنامي على تكنولوجيات تحلية المياه

منذ سبع سنوات مضت، قال الجنرال الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي عن تحديات المياه التي تجابه الإقليم: “إننا منشغلون كليًا بهذه القضية الرئيسية”[27].  ويظل الأمر على حاله في الوقت الراهن.

فعلى حين تظل موارد العالم من المياه العذبة محدودة، فإن الطلب عليها يزداد ويتوقع زيادته بقرابة الثلث بحلول العام 2050[28].

مع احتياطيات المياه العذبة المتناقصة غير القادرة على تلبية الطلب المتصاعد، ومع “انحسار الريف (بالشرق الأوسط) إلى صحراء بفعل فرط استخدام المياه[29]، فإن الإقليم يتحول بازدياد تجاه وحدات تحلية المياه ووحدات معالجة المياه.

وتشمل تحلية المياه نزع الملح من مياه البحر لجعلها صالحة للاستهلاك والاستخدام البشري والصناعي والزراعي.  فأكثر من 150 دولة تستخدم تحلية المياه وأكثر من 300 مليون انسان يعتمدون على المياه المحلاة في الاستخدامات اليومية.

إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا (MENAT) من المناطق الرائدة في استخدام التحلية.  وبحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية (IEA) فإن 60% تقريبًا من إجمالي طاقة تحلية المياه بالعالم موجودة في الشرق الأوسط[30].  فالسعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت ضمن الدول الأربعة الأولى على مستوى طاقة تحلية المياه، فضلاً عن هذه الدول الثلاث وحدها تمثل أكثر من ثلث طاقة العالم في تحلية المياه.  وعلاوة على ذلك فإنه يتوقع زيادة طاقة تحلية المياه في الشرق الأوسط بنحو ستة اضعاف في الفترة ما بين 2007 و2030[31].

المياه القذرة وإعادة استخدام مياه الصرف

بحسب أحدث إحصائيات منظمة الصحة العالمية (WHO)، فإن المياه القذرة تظل تحديًا كبيرًا لجزء كبير من سكان العالم.

فأكثر من بليوني شخص حول العالم “يستخدمون مصدر مياه ملوث بالبراز” ويفتقر 850 مليون شخص تقريبًا لخدمة مياه شرب أساسية[32] (والتي تعرف بوصفها مصدر مياه شرب محُسن على مسافة 30 دقيقة).

إن الكوليرا والإسهال والدوسينتاريا والالتهاب الكبدي الوبائي A والتيفويد وشلل الأطفال هي بعض من الأمراض التي أدرجتها منظمة الصحة العالمية لأنها بوصفها تنتشر بالمياه القذرة وسوء الصرف الصحي.  ويأتي ذلك مع أن الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أقرت عام 2010 حق الإنسان في المياه والصرف الصحي يتوفر فيهما شروط الأمان والإتاحة ويسر التكاليف.

إن الإخفاق دون توفير مياه نظيفة لا ينتهك حقوق المرء الفردية فحسب.  بل إنه كذلك يستحضر ويؤسس لمشاكل اقتصادية كبرى بحسب ما يطرحه البنك الدولي في هذا الصدد:

“إن قصور إمدادات المياه والصرف الصحي تكلف منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا (MENAT) نحو 21 بليون دولار سنويًا من الخسائر الاقتصادية.  فالوفيات بسبب إمدادات المياه غير الآمنة وسوء الصرف الصحي في عدد قليل من الدول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبخاصة تلك المتأثرة بالصراعات، أعلى من المتوسطات العالمية.  وعلاوة على ذلك تلتهم إمدادات المياه غير الآمنة وسوء الصرف الصحي نحو 1 بالمائة من الناتج القومي للإقليم سنويًا، فيما تبلغ النسبة في الدول المتأثرة بالصراعات إلى ما يقرب 2-4 بالمائة سنويًا[33]“.

لكن ثمة أخبار إيجابية في الأفق ذلك أن الحكومات والمنظمات انتبهت لتحديات ندرة المياه وتركز مزيدًا من الاهتمام والموارد لمجابهة الاحتياجات التي تحملها.

وعلى وجه الخصوص، فإن البحوث المتقدمة، والتكنولوجيا الابتكارية، والتقدمات التقنية بشأن ندرة المياه، وتحلية المياه وجودة المياه تخلق فرصًا اشتدت الحاجة إليها لاتخاذ خطوات تغيير في الاستجابة العالمية في قضية إتاحة المياه.

تغيير مستقبل المياه

في ضوء تحذير الأمم المتحدة بشأن الصراعات والتهديدات الحضارية، فإنه لم تتخذ خطوات فعالة للحد من الضغط على الأنهار والبحيرات والمياه الجوفية والأراضي الرطبة وخزانات المياه[34]، فإنه لمن الجلي الحاجة إلى خطوات عاجلة للتصدي لتحديات المياه الأكثر إلحاحًا على مستوى العالم.

ليس هناك من “عصا سحرية” لحل أزمات المياه بالعالم  بل ثمة حاجة لتبني منهاج مشترك يجمع بين قادة العالم والحكومات وأحدث التطورات في مجال البحث والتكنولوجيا واستثمار كبير في البنية التحتية.  وتعلق الأمم المتحدة على ذلك بالقول: “إن التغيير المطلوب على عجل سيكون مركبًا متعدد الأوجه يحمل تحديًا كبيرًا ودائمًا ما سيكون مثار جدل كبير.[35]

ستكون تحلية المياه أحد القطاعات التي ستشهد تحولات وتطورات كبرى.  لقد بلغ الإنتاج اليومي من المياه المحلاة حول العالم 90 مليون متر مكعب حاليًا.

فأكثر من 18000 وحدة تحلية تنتج مياه الشرب[36] في عملية تتطلب كميات هائلة من الطاقة.  لكن المضي قدمًا في الاستخدام الراهن لكميات هائلة من الوقود الأحفوري لتوفير الطاقة المطلوبة لمحطات تحلية المياه التقليدية هو بالأحرى استبدال لمشكلة بيئية بغيرها.  فمحطات تحلية المياه التقليدية التي تعمل حاليًا بطاقة الكربون تبث 76 مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم.  وتشير إحدى التنبؤات، المستندة إلى تصور بقاء الأمور على حالها، أن يبلغ هذا الرقم من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون 218 مليون طن بحلول عام 2040[37].

لكن هذا المسار يشهد تغيرًا كبيرا كما أن الشرق الأوسط يأتي في مقدمة التوجهات الابتكارية الرامية إلى استخدام الطاقة المتجددة لتقليل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن تحلية المياه.  وأحد هذه الابتكارات يتمثل في تحلية المياه بالطاقة الشمسية.

“نعتقد أن تحلية المياه بالطاقة الشمسية هي المستقبل.”. هكذا يعلق السيد روبيرتو دي دييغو أروزامينا، الرئيس التنفيذي لعبد اللطيف جميل للطاقة، التي تملك شركة فوتوواتيو رينيوابل فنتشرز (FRV) مطورة الطاقة المتجددة والطاقة الكهروضوئية الشمسية ومطورة وحدات معالجة المياه وتحلية المياه ألمار لحلول المياه.

إن بعض الأسواق تتخذ بالفعل خطوات نحو تحسين كفاءة الطافة في وحدات تحلية المياه.  فعلى سبيل المثال، فرضت السلطات الحكومية في غرب أستراليا على جميع محطات تحلية المياه الجديدة استخدام الطاقة المتجددة[38] – ونتيجة لذلك، تعتمد محطة تحلية مياه البحر في بيرث (SWRO) على الكهرباء المتولدة من مزرعة للرياح.

ومع استمرار انخفاض التكاليف المرتبطة بتكنولوجيات الطاقة المتجددة، تنضم التطورات المستمرة في التكنولوجيات المستخدمة سواء لتوليد الطاقة المتجددة أو تحلية المياه، وذلك لزيادة سهولة الحصول على مياه محلاة متجددة.

نهج مزدوج

في حين تعد تحلية المياه المعتمدة على الطاقة المتجددة طريقًا واضحًا إلى الأمام، فلا يمكن أن يجري هذا التحول في كهف مظلم.  فلا تزال هناك حاجة إلى مواصلة وضع النُهُج الجديدة والمبتكرة لمجابهة تحدي المياه في العالم، وذلك بمشاركة الحكومات، والصناعة، والعلوم، والمجتمع بأسره.

التنمية العلمية حلّ آخر.  تعد رعاية الشراكة بين الصناعة والمؤسسات الأكاديمية، عبر مبادرات مثل مبادرة معمل عبداللطيف جميل للماء والغذاء (J-WAFS) في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، أمرًا حاسمًا للمساعدة على ترجمة البحوث الرائدة إلى حلول عملية للمجتمعات في شتى أنحاء العالم.

أنشئ معمل عبداللطيف جميل للماء والغذاء (J-WAFS) عام 2014 بهدف الجمع بين العقول الرائدة على مستوى العالم وتيسير البحث في الخروج بتكنولوجيات وبرامج وسياسات فعالة في قضايا الأمن المائي والغذائي.  ولقد قدم بالفعل ملايين الدولارات خلال برنامجه السنوي للمنح لتمويل الأبحاث في هذه المواضع الحيوية.

Professor Xuanhe Zhao - Abdul Latif Jameel®

وأحد المشاريع التي مولها معمل عبداللطيف جميل للماء والغذاء (J-WAFS)، للبروفسير شانهي زهاو في قسم الهندسة الميكانيكية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، هو بحث  في تقنية تنظيف غشائية التي يمكنها أن تحسن بشكل كبير من كفاءة التناضح العكسي، الأكثر استخدامًا في عملية تحلية المياه.

روهيت كرانيك، المدرس المساعد للهندسة الميكانيكية بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا كان مستفيدًا آخر من البرنامج السنوي للمنح لتمويل الأبحاث من معمل عبداللطيف جميل للماء والغذاء (J-WAFS).  وهو يقود مجموعة من الباحثين الذين يحاولون توفير مياه شرب آمنة لمواطني العالم الأكثر فقرًا.  فعملهم يرتكز على استخدام بنيات أغشية الزيلم في خشب النسغ يمكن تعزيزها لفلترة المياه وإزالة البكتريا يُمكنها توفير مياه شرب آمنة في المناطق الريفية في البلدان النامية بتكلفة سنتات قليلة أسبوعيًا.

ثمة مشروع ثالث قيد التنفيذ بتمويل ممتد حتى أغسطس 2019 يهدف إلى الخروج بنموذج أولى مجرب فعال لتقنية مميزة قد يكون لها آثار ضمنية كبرى على الأقاليم التي تعاني ندرة المياه.  يقود المشروع كل من ميرشيا دينكا، الأستاذ مشارك بقسم الكيمياء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) وإيفلين وانج الأستاذ المساعد بمعمل جيل أ كيندال بقسم الهندسة الميكانيكية، ويهدف المشروع إلى تطوير تكنولوجيا تجميع مياه تستخدم مواد الهياكل الفلزية العضوية (MOF) لاستجماع الماء من الهواء.  وتعلق ميرشيا دينكا قائلة: يمكن أن تحدث هذه التقنية تغييرًا كبيرًا بالمناطق التي تعاني من ندرة المياه كالشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

شهد شهر سبتمبر 2018 تمويل سبع مشروعات إضافية خلال برنامج معمل عبداللطيف جميل للماء والغذاء (J-WAFS).

منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا (MENAT) تتبوأ الريادة

تمتاز منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا (MENAT) بأن لديهم المهارات والموارد والمعرفة اللازمة لتبوأ الريادة عالميًا في مجال إتاحة المياه وكذلك للاستفادة من الفرص التجارية الكبرى التي يشملها المجال.

فمنح الأولوية لتحدي المياه وتشجيع الاستثمار والابتكار والشراكات في المجتمع كلها عناصر يمكن أن تضع دول المنطقة نفسها في طليعة صناعة متسارعة النمو والابتكار، صناعة يتزايد حضورها في التنمية العالمية على مدى السنوات المقبلة.

[1] The United Nations World Water Development Report 2018, UN Water, March 2018

[2] Earth Observation of Water Resources, World Bank Group – Environment & Natural Resources

[3] From Not Enough to Too Much, the World’s Water Crisis Explained, National Geographic, 22 March 2018

[4] Making Every Drop Count: An Agenda for Water Action, United Nations, 14 March 2018

[5] Can the Middle East solve its water problem? CNN, 12 July 2018

[6] Arab Regional Report 2018, World Water Forum, March 2018

[7] Arab Regional Report 2018, World Water Forum, March 2018

[8] As water disappears from the Arab world, data is falling from the sky, The World Bank, 20 March 2013

[9] Water Scarcity and Future Challenges for Food Production, Water, 10 March 2015

[10] http://blogs.worldbank.org/arabvoices/numbers-facts-about-water-crisis-arab-world

[11] Saudi Arabia is running out of water, The Independent, 19 February 2016

[12] A Saudi Water Crisis Lurks Beneath the Surface, Stratfor, 5 January 2017

[13] http://www.waterworld.com/articles/wwi/print/volume-25/issue-1/regional-spotlight/middle-east-africa/quenching-the-middle-east-s-thirst.html

[14] A Saudi Water Crisis Lurks Beneath the Surface, Stratfor, 5 January 2017

[15] Saudi Arabia’s Great Thirst, National Geographic, accessed September 2018

[16] A Saudi Water Crisis Lurks Beneath the Surface, Stratfor, 5 January 2017

[17] Climate Change and Water Scarcity: The Case of Saudi Arabia, Annals of Global Health, Vol 81, May-June 2015

[18] Water Scarcity, UN Water, accessed September 2018

[19] From Not Enough to Too Much, the World’s Water Crisis Explained, National Geographic, 22 March 2018

[20] The United Nations World Water Development Report 2018, UN Water, March 2018

[21] Why fresh water shortages will cause the next great global crisis, The Observer, 8 March 2015

[22] Water crises are a top global risk, World Economic Forum, 16 January 2015

[23] Progress on Drinking Water, Sanitation and Hygiene, World Health Organization, 12 July 2017

[24] Can the Middle East solve its water problem? CNN, 12 July 2018

[25] The United Nations World Water Development Report 2018, UN Water, March 2018

[26] The United Nations World Water Development Report 2018, UN Water, March 2018

[27] Water is more important than oil for UAE: Mohammed bin Zayed, Emirates 24/7, 13 December 2011

[28] The United Nations World Water Development Report 2018, UN Water, March 2018

[29] Why fresh water shortages will cause the next great global crisis, The Observer, 8 March 2015

[30] Energy Efficient Desalination, International Water Summit, 15-18 January 2018

[31] Hybrid technologies to power innovation in water desalination, Opening Doors, Winter 2017

[32] Drinking-water, World Health Organization, 7 February 2018

[33] Beyond Scarcity: Water Security in the Middle East and North Africa, The World Bank, 2018

[34] Water shortages could affect 5bn people by 2050, UN report warns, The Guardian, 19 March 2018

[35] Making Every Drop Count: An Agenda for Water Action, United Nations, 14 March 2018

[36] Energy Efficient Desalination, International Water Summit, 15-18 January 2018

[37] Energy Efficient Desalination, International Water Summit, 15-18 January 2018

[38] https://www.irena.org/DocumentDownloads/Publications/IRENA-ETSAP%20Tech%20Brief%20I12%20Water-Desalination.pdf